تبييض القتل في بنك المقاومة

لم يقل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته مساء الاربعاء في ذكرى حرب تموز ان الحكومة الحالية فاشلة بل "افحم" خصومه واللبنانيين عموماً حين قال: "ارأيتم انها ليست حكومة حزب الله وانها حكومة ائتلافية". هذا هو الجواب الشافي الذي قدمه السيد نصرالله للمواطنين على اداء الحكومة وتفسخها وعجزها عن القيام بابسط واجباتها، علما انه قاد عملية تشكيل هذه الحكومة التي حاز وحلفاؤه ثلثي مقاعدها كما لم يسبق لهم في اي حكومة سابقة.

اذاً ليس حزب الله في وارد الاقرار بفشل الحكومة، لا بل يتمسك ببقائها، على وقع الاهتراء، مقدرا ان قوته بما يمتلكه من مقدرات عسكرية استراتيجية وامنية وبشرية، كفيلة بحماية الحكومة وتثبيت مقولة لن يتغير شيء حتى على طاولة الحوار. وهو كلف النائب محمد رعد بهذه المهمة اي اقفال الحوار انطلاقا من ثابتة راسخة في خطاب السيد نصرالله اتجاه من يخالف "الحزب" في نظرته الى موضوعة سلاح المقاومة، مفاده انكم وان كنتم غير متعمّدين فإنكم تنفذون كلام إسرائيل. في اختصار، يقول السيد لا مجال للحوار في هذا الشأن وان اي موقف لا يتطابق مع موقفنا وسلوكنا في النظرة الى سلاح المقاومة وعلاقته بالدولة هو موقف خاطىء وينفذ مطلب اسرائيل.

يستند السيد نصرالله في رفضه العملي للحوار الى التصريحات الاسرائيلية لتفسير المشهد اللبناني الداخلي، اما ما يقوله محاوروه اللبنانيون ايا كان حجمهم التمثيلي فلا قيمة له ما دام مخالفا لرؤية حزب الله. في شتى الاحوال ثمة سؤال رغم تهرب حزب الله من الاجابة عنه، سيبقى حاضرا بل سيزداد حضورا كلما برز استحقاق سيادة الدولة، ألاوهو: كيف يمكن المواءمة بين سلاح المقاومة ومفهوم الدولة كمحتكر للسلاح وحقها في الدفاع عن الوطن واعلان الحرب؟ سؤالسيظل ملحاً رغم تعميم مقصود لحال الاهتراء في مؤسساتها، والسعي الى تقويض بنيانها من اجل تبرير اوضاع شاذة تنمو على حسابها في السياسة والامن والاقتصاد.

الحدّة في تناول القضايا الوطنية والاقليمية في خطاب السيد نصرالله والغضب الذي عبر عنه، ربما كان سببهما التفجير الذي استهدف نخبة القيادة الامنية والعسكرية في النظام السوري وفي قلب مركز الامن القومي، ومن الطبيعي ان يغضب السيد فهو وصف من استهدفوا وقتلوا بأنهم "رفاق السلاح" وانهم "شهداء" من دون ان يضفي على شهداء الثورة السورية هذا الوصف. ورغم الالاف الذين قتلوا على يد هذه الاجهزة الامنية كان السيد يكشف عن علاقة عضوية بـ"سورية بشار الاسد" عندما تحدث عن الصواريخ التي تلقاها حزب الله من هذا النظام، وتلقتها حركة حماس وغيرها في غزّة من دون أن يأتي على تفسير انسحاب حماس من العلاقة مع النظام السوري وهل كان سلوكها متآمرًا؟ كان السيد يذهب في تنزيه الذين قتلوا في مركز الامن القومي بالقول إنهم قاتلوا اسرائيل وكفى…

في الحقيقة رمى السيد جانبا كل الاعتبارات الاخلاقية التي اثبتت ان هذا النظام وادواته الامنية والعسكرية في موقع القاتل لشعبه، فاي متابع يعرف مدى ايغال القادة الامنيين في دم الشعب السوري، وتاريخهم الدموي يتقدم على ما حاول السيد منحهم إياه من صفات بطولية في مقاتلة اسرائيل، وهو في اي حال موقف يزيد من استفزاز الجمهور الواسع من السوريين الذين يعرفون استبداد هذا النظام وبطشه، اذ ان السيد نصرالله يعتبر ان كل من اطلق طلقة ضد اسرائيل هو شريف. واذا كان السلوك الاجرامي يمكن تسويغه او تبريره بمقاتلة اسرائيل، وجب علينا ان نسوغ ليزيد بن معاوية ما فعله في كربلاء وهو الذي كان يقاتل الروم ويدافع عن ثغور المسلمين.وهل يكفي أيضًا عداء الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لاسرائيل واطلاقه صواريخه فياتجاهها ودعمه المالي الهائل للشعب الفلسطيني خصوصًا في انتفاضة أيلول عام 2000 وتبنيه لعائلات الاف الشهداء منهم لئلا يكون صدام حسين مجرمًا ومستبدًا؟ والامر عينه بالنسبة الى القذافي، فدعمه القضية الفلسطينية لم ينفض عنه صفة الاجرام في خطف الامام موسى الصدر.

التحول النوعي في الثورة السورية الذي عبرت عنه عملية التفجير التي استهدفت راس الجهاز الامني للنظام، مهد بقوة لدخول نوعي الى دمشق التي باتت اكثر احيائها ساحة مواجهات بين الثوار والنظام، واظهر الحدث الامني الاخير انتقال الثوار من مرحلة الدفاع الى الهجوم، وبات التصدع حقيقيا في بنية النظام. في هذه اللحظة الحرجة التي عبر خلالها السيد نصرالله عن تماه كامل مع النظام السوري، بات يزيد من الشكوك التي بدأت تراود الشيعة اللبنانيين عموما، فرغم تقديرهم لدورالمقاومين اللبنانيين وانجازاتهم، شكوك حول الرهانات السياسية للقيادة التي تمثلهم وانعكاس ذلك على نظام مصالحهم الوطنية والعربية. بعدما بدأت تترسخ لديهم فكرة ان نظام الاسد انتهى. فلماذا الاصرار على ربط مصيرهم بنظام زائل في الحد الادنى؟

 

السابق
الرئيس المصري محمد مرسي يلتقي خالد مشعل
التالي
اللواء: 14 آذار تعلّق المشاركة بالحوار والجيش لإبعاده عن المماحكات والدولة تنشغل بإيواء آلاف النازحين السوريين