بوّابة المرحلة الإنتقاليّة

المرحلة حرجة، وضبط النفس حالة مسكونة بالقلق والتوتر، ماذا بعد استهداف هيبة النظام، وبنيته في سوريا؟. الجواب، أو القرار ليس عند ما تبقّى من أركانه، بقدر ما هو عند الكبار من الروس، الى الأميركيّين، الى الإيرانيّين.. الى سائر المهتمّين. وأوّل الغيث كان إرجاء مجلس الأمن جلسته التي كانت مقرّرة أمس الأوّل، نزولاً عند طلب تقدَّم به الموفد الأممي – العربي كوفي أنان، وكان الكلّ بحاجة الى فرصة لالتقاط الأنفاس، ومعرفة حقيقة ما جرى، ونتائجه، والتخطيط للمرحلة المقبلة.

كان من المهمّ – بالأمس – معرفة من هي الجهة، أو الجهات التي خطّطت ونفّذت، اليوم اختلفت الأولويات، وتغيّرت، وأصبح من المفيد معرفة من هو المستفيد، والتوظيفات الشتّى التي يمكن الركون اليها، وأوّلها أنّ الدول الكبرى المهتمة بإطلاق مسار سياسي – تسووي، قد " تخلّصت" من وجوه قياديّة كانت متشبّثة، ورافضة لكلّ الحلول والتسويات، ومصرّة على قمع الإنتفاضة، حتى ولو أدّى ذلك الى أنهار من الدماء.

ومع غياب هذه "الوجوه والأسماء"، أصبح بالإمكان البحث عن مخرج سياسي يُفرض على النظام لوقف العنف ومسلسل الدماء، وإطلاق مرحلة انتقاليّة تنتهي بتثبيت قواعد نظام جديد يرضي المعارضة، ومعها غالبيّة الشعب السوري بأطيافه وطوائفه.

وتعترض هذه المقاربة صعوبات أوّلها معرفة أين هم الروس ممّا جرى ويجري؟، وهل ضمنوا البديل لكي يقدموا على عملية تغيير النظام؟.

وهل يوفّر هذا البديل مستلزمات ما تريده موسكو من موقع استراتيجي، و"قواعد" سياسيّة، واقتصاديّة، ونفطيّة، وعسكريّة، خصوصاً في مياه طرطوس واللاذقيّة، لكي تمضي في التغيير؟، أم أنّ البديل لا يزال غير متوافر، والمسألة بحاجة الى المزيد من جولات العنف، والوقت؟.

ثانيا: أين يقف الإيرانيّون؟، وهل آن الأوان للانخراط في مرحلة انتقاليّة، وعمليّة سياسيّة، تنهي العنف، وتمهّد الطريق لنظام جديد، وخيارات جديدة، ونظرة مستقبليّة مختلفة؟.

وبكلام أكثر وضوحاً، هل تخلّت إيران عن حلف الرفض والممانعة، كي تتخلّى بسهولة عن هذا النظام، أم ستتصرّف بتشدّد أكثر، بعد التفجير الأخير؟.

إنّ ما عبّر عنه السيّد حسن نصرالله لا يوحي بتغيير أو تراجع، بل إصرار على دعم النظام كي يتمكّن من الصمود، والاستمرار. وقد يكون هذا الموقف تكتيكيّا في مرحلة ما، ذلك أنّ إيران دولة، وتديرها شبكة مصالح، وبالتالي يمكن أن تتخلّى عن النظام، لكن مقابل رفع العقوبات الدوليّة عنها، وإيجاد مخرج مشرّف لبرنامجها النووي، وفتح صفحة جديدة مع الولايات المتّحدة، والاتّحاد الأوروبي، والدول الوازنة في مجلس الأمن، لضمان دور لها في المنطقة، وتحديداً في الخليج.

ثالثا: تدخل إسرائيل بصورة مباشرة كدولة محوريّة على الخط. كانت ترعى الولايات المتحدة مصالحها خلال الفترة الماضية، بفضل دبلوماسيتها المؤثّرة على مختلف دول المنطقة، إلّا أنّ الأمر قد اختلف اليوم، وما تريده إسرائيل الآن، هو معرفة مصير الصواريخ الاستراتيجيّة، ومخزون الأسلحة الجرثوميّة التي يمتلكها النظام، كما تريد أن تطمئن الى مستقبل هضبة الجولان، وأمنها، وكيف سيتصرّف النظام الجديد مع هذه الأولويّات؟، وهل من ضمانات؟، ومن يضمن من؟.

وفي المحصلة، هناك مستجدّات ثلاثة، الأوّل: لم يعد النظام سيّد نفسه، ولا سيّد قراره، وتحوّل من موقع الهجوم الى موقع الدفاع عن النفس، ومن الموقع المبادر، الى موقع المتلقّي. والثاني، سواء أكان التفجير من "أهل النظام"، او من "صنع" المعارضة، أو المخابرات الخارجيّة، فإنّ النتيجة واحدة: ما بعده، لن يستمرّ كما كان قبله.

وعلى النظام إمّا أن يقبل بمخرج يحفظ له ما تبقّى من ماء وجه، أو أن يدفع بسوريا أكثر فأكثر نحو حرب أهليّة لا تنتهي إلّا بتقسيمها الى أقاليم طائفيّة – مذهبيّة حدودها الدم المستباح، والحقد الأعمى، والمعارك والمواجهات المفتوحة من دون أفق. والمستجدّ الثالث، لعبة الدول، والمصالح الأمنيّة والنفطيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، التي ستؤدّي الى تزخيم في حركة الاتّصالات والمشاورات بحثاً عن مخرج.

وفي المحصّلة أيضاً، إنّ لبنان الشهداء الذين سقطوا تباعاً برصاص الاغتيال، كان أمس مأخوذاً بحادث التفجير، متمنّياً أن يؤسّس لمرحلة انفراط العقد بصورة نهائيّة ومدوّية، فيكون الثأر المعنويّ والتاريخي للدماء الذكيّة التي أريقت على أرض الوطن وأروته.

في حين أنّ لبنان "المقاومة والمتعاطف مع النظام"، وضع يده على قلبه، متوقّعاً كلّ الاحتمالات السلبيّة، وما بين هذين "اللبنانين" يصبح الاستقرار أمنية.. عسى أن تتحقق؟!.  

السابق
إستقالة
التالي
إيران تنضمّ إلى القافلة؟