أنا أخاف الحرب

أنا أخاف.
أعترف وأنا بكامل قواي العقلية. أنا أخاف، ولن يمنعني فائض الرجولة المزّيفة في بلدي من الاعتراف بذلك.
أنا أخاف من الحرب، وأخاف من المهللين لها. أخاف من الذين لا يتذكّرونها إلا بكثير من الحنين.. والرغبة.
أخاف من الذين لا يجدون في سواها معنى لوجودنا. الحياة دونها ذل، والموت فيها انتصار وكرامة. كأن لا معنى لحياتنا وموتنا إلاّ في حضرتها.
أخاف ممن يمنحون الحرب بذاتها كل معنى. أخاف من قدرتها على صنع انتصارات تترجم بحسابات تقسم بين مواطن ومواطن، بين شريف وعميل، بين خير وشر، وبين أرض وجنّة.
أخاف من أي حرب تصنع انتصارات تغلب كل رأي لا يوافقها، عندما تمنح لنفسها صفات القدسية وأفعال التفضيل. أخاف من قدرتها على منع النقد، على تحريمه وتجريمه.
أخاف من قدرتها على قتل التفاصيل الصغيرة، والاحتفاظ فقط بما يليق بأدوار البطولة.
أخاف من حرب سيكون ثمن الانتصار فيها آلاف القتلى والجرحى.. وملايين الأحلام الصغيرة. وأخاف أكثر من أناس لا يجدون لتلك الأحلام قيمة. لا يجدون فيها إلا أثمانا رخيصة.
أخاف من وجوه أطفال أغمضت على العتمة. من أشلاء ممزّقة في بيوت شيّدتها سنوات الصبر والتعب. من حكايات صغيرة قضت على الشرفات وأبواب المنازل. من قصص ماتت في الدفاتر الملونة والحقائب المدرسية. من ذكريات تطلّ بوجهها من رائحة الغبار في الطرق الخالية.
أخاف منها وعليها. وأخاف أكثر من الذين يمنعون خوفنا عليها. أخاف من الذين ينكرون علينا حقنا بالخوف. من الناس الذين ينساقون إلى «القضايا الكبيرة»، فيستصغرون خوفنا السرّي الذي نصنع منه عنادنا وآمالنا. 
 

السابق
اعتصام تحذيري ضد قطع المياه في صيدا.. ووعود بالحلّ
التالي
حرب المصالح الضيِّقة..