6 سنوات على “حرب لبنان الثانية”

حين نقرأ المعاني العظيمة المدرجة في صحائف ذاكرتنا، نتطهّر من رجس الشيطان الرجيم، ونمسك انسكاب انتصار تكلّل بالوعد الصادق الذي لا يغيب البتّة عن البال. فخلال هذه الأيام، ونحن نتلمس التباسات هذا الزمن السيء، نعود إلى طِيب المساءات ونعمائها، حيث للذكرى، في القلب والعقل معاً، مواطن الانشراح النفيس بكل تجلّيات الأيام، التي عبرت عبر ضفاف الحياة، مثقلةً بغدر الأشقاء، الذين سجلوا اعتراضهم غضباً مسوراً بالحقد على المقاومة ومجاهديها، حين كان لبنان، كل لبنان يقطف النصر المظفّر، الذي عشنا فصوله القاسية المؤلمة والمفرحة لحظةً بلحظة في الحرب "الإسرئيلية" الغادرة على لبنان، خلال شهر تموز من العام 2006.

أمام عظمة الانتصار وذكرى البطولات الاستشهادية، التي روت أرض الجنوب اللبناني بالدم الطاهر النقي، لا بدّ من الانحناء، الانحناء لرجال الله في الميدان، الذين هزموا الراعي الكوني الأعظم لدولة "إسرائيل" الغاصبة، ومحتلة فلسطين. لقد كشف المقاومون الفوارس ببطولاتهم زِيف الهالة الكبرى التي حصّنت جيش العدو "الإسرائيلي" من الاختراق عبر مقولة "الجيش الذي لا يقهر" والتي جعلتنا نظن لزمنٍ، أنه من المستحيل الانتصار عليه، لأنه يملك من الأسلحة الحديثة المتطوّرة ما تمتلكه الدول العربية مجتمعة، عدا عن الدعم اللامحدود الذي يتلقاه هذا العدو من الولايات المتحدة الأميركية، القوة الكونية الكبرى، ومن الدول الأوروبية وبعض الدول العربية الملتحقة بالسياسة الأميركية، وبعضها الآخر الموقّع معاهدات الصلح مع "إسرائيل".

لهذا تسرّب الخوف إلى قلوبنا خلال الأسبوع الأول من الحرب. كنا نتابع بدقة ما يجري في الجنوب من بطولات ضدّ العدو "الإسرائيلي" وميركافاته، يسطّرها المقاومون ببسالة عزّ نظيرها، بل فاجأوا هذا العدو بتكتيكاتهم الحربية المنظمة بشكل دقيق للغاية. كان التدمير والدمار على أشدّه، حيث كانت سماء لبنان من أقصاه إلى أقصاه، مطوّقة بالطيران الحربي "الإسرائيلي" وقاذفاته النارية الحارقة، بحيث لم تُترك أي طريق آمنة، أو معبر أو جسر إلا ودمّر تدميراً كاملاً. هكذا تقطّعت أوصال الوطن، وأصبح الانتقال من منطقة إلى أخرى دونه الخطر المحدق من كل جانب، عدا عن أن ضاحية بيروت الجنوبية كانت تتعرض بشكل شرس لأبشع أنواع الدمار وقتل الناس العزّل من المدنيين من دون رحمة أو إنسانية، إذ كانت الأبنية تدمّر فوق رؤوس ساكنيها. كنا نعيش القلق ونتساءل: أين السيد، "السيد حسن نصر الله"؟ لماذا لم يطلّ كي تطمئن قلوبنا؟ هل أصابه مكروه؟ في دوامة هذه التساؤلات المقلقة، ظهر سيد النصر على شاشة التلفاز، واثقاً من النتيجة الحتمية التي رسمها هزيمة نكراء لهذا العدو المتغطرس الشرس، معلناً أن هذا العدو لن تقوم له قائمة بعد اليوم، وبينما كنا نصغي بلهفة لما سيقوله قائد النصر، وإذ بالمفاجأة تدوي في آذاننا عبر بشارته: "انظروا إلى البحر الآن، سترون البارجة "الإسرئيلية" "ساعر" تشتعل وقد أصابتها نيران المجاهدين الأبطال". كانت لحظة تاريخية مجيدة، لا يمكن للذاكرة إسقاطها من صحائفها ومشهدياتها المثبتة، ففي تلك اللحظة ذاتها، عرفنا أننا منتصرون، بدأنا نقبّل بعضنا البعض، الدموع في المآقي، دموع الفرح المسكوب في لحظة طالما انتظرناها، كيف لا؟ ونحن أبناء القضية الفلسطينية، قضية العرب المنسية، قضية الظلم والقهر المستورد بتوصيات استعمارية لعينة، قضية الانبطاح أمام لغات الكذب والتدجيل من توصيات أميركا وزبائنها الكثر في العالمين الغربي والعربي.

اليوم، ونحن نمر بهذه الذكرى الغالية على قلب كل عربي شريف، لا بد من القول: غداً التاريخ لن يرحم، لن يرحم الخونة المنافقين، الذين باعوا الوطن بالمال والسلطة، الذين ملأوا أيامنا وليالينا بالكذب والتدجيل والنفاق والفساد والإفساد، وتعمية الضمائر عند أصحاب العقول الضعيفة القاصرة، والجميع يعلم حق العلم كيف سترت خزعبلاتهم ومن سترها! فعلاً أن ربيب الشر لا يمكن أن يكون إلا شريراً، مهما حسنت ألفاظه، ومهما ذَوَّب في غرام الوطن أفكاره، ومهما علّق الحب والمحبة على شرفات الوطن. يبقى في النهاية الإنسان الفاجر التاجر، الذي باع الوطن بدنانير لا تساوي حبة تراب من أرض الجنوب اللبناني، ومن أرض فلسطين العربية والجولان المحتل وغزة المحاصرة.

فسلاماً، إلى من زيّنوا صدور البيوت بصور أبنائهم الشهداء، سلاماً إلى الأكف التي تقف على الزناد دفاعاً عن لبنان، سلاماً إلى القادة الشرفاء المؤمنين بهذا الوطن وطناً لكل أبنائه، سلاماً إلى من رسموا الحرية تضحية بفلذات الأكباد من أجل الوطن، ولم يرسموها شعارات زائفة مطبوعة على قصاصات من ورق، سلاماً إلى من حفظ العهد والوعد قرارات صمود وتصدٍ في وجه العدو الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي، ولمن رفع سيادة الوطن قسماً على الوفاء للأرض والعرض والشرف والكرامة، حيث تصغر عند هذه الصفات، الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية، وهنا تصبح التضحية فعلاً قويماً سديداً، لا مناص من التمنطق بأهميته الوطنية الواجبة، وإن تلظى بشظاياه البعض من الخونة، أصحاب الضمائر السوداء، الذين ما زالوا ينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، مستهدفين سلاح المقاومة الذي أتاهم بالنصر المبين. 

السابق
انتخابات الكورة وإسقاط نظام بشار الأسد!
التالي
نتمنى على السيد إصدار فتوى للسلاح