العبور الى الأخلاق .. ثم الدولة

هناك حاجة الى قول المزيد حول دلالات انتخابات الكورة الفرعية. ليس فقط من حيث المؤشر الذي تعكسه نتيجتها بشكل أو بآخر، في ما يتعلّق بالصورة التي ستخرج بها الانتخابات النيابية للعام المقبل. بل أيضاً، وقبل كل شيء من ناحية المفارقة الأخلاقية – السياسية في آن التي يطرحها الصراع الانتخابي.
ذلك أنّ الانتخابات خيضت في الاستحقاق السابق بين منطق "العبور الى الدولة"، أي أساساً وضع "السلاح" الذي يصنّف نفسه مقاوماً، ويصنّفه قسم واسع من اللبنانيين، اتضح انتخابياً انه يشكّل الاكثرية، سلاحاً "مقاوماً سابقاً" أو "مقاوماً قيد الدرس" الى حين تحقيق الاجماع بشأن صيغة علاقته بالدولة، وبين منطق "السلاح لحماية السلاح"، لا حاجة به الى اجماع، ولا مرجعية له في الدولة، لا نظرياً ولا عملياً، ولا طابع وطنياً لحمله، بل نطاق فئوي مذهبي – ايديولوجي، وفي الوقت نفسه سلاح يمتلك حق التخوين الوطني للعموم، وحق إلغاء أو تبييض التخوين او العمالة إن اقتضت المصلحة العليا لتحالفاته.
وطبعاً، هذا يبقى في عمق الصراع الانتخابي اليوم وغداً، بطبيعة الحال. لكن ثمة معطى جديدا، اضافيا، ومحرجا، يطرح نفسه هو الآخر في حدّة. فالانتخابات استحقاق ديموقراطي، وسلمي، ومدني، الخ، لكن الصراع قائم حالياً بين خط يرى التضامن مع الشعب السوري، وبين خط يرى التضامن مع المجازر ضد الانسانية المرتكبة ضد الشعب السوري. بالتالي أن يكون هذا الصراع بين خطين، احدهما يغطي على أكبر فضيحة دموية اخلاقية في مطلع هذه الألفية، وان يكون صراعاً سلمياً، ويلتجئ الى الصناديق، فهذا بحدّ ذاته مفارقة. صحيح ان سلمية المواجهة الانتخابية قيمة اساسية، لكن ان ترتبط في الوقت نفسه بتزاحم بين خطين، احدهما يغطي كل هذه الفظاعات، على هذا النحو، فهذا بحدّ ذاته غير سوي.
في ، كان الشعار "العبور الى الدولة".
ترجمت قوى آذار ذلك بفكرتين مفتاحيتين: المناصفة الدائمة بين المسيحيين والمسلمين، والجمع بين عدم "شرعنة" سلاح "حزب الله" في وضعه الحالي، والسعي الى شرعنة وضعه في شكل مؤسساتي بجعله سلاحاً في كنف الدولة ويأتمر بسيادتها ويخضع لنظامها الدستوري وليس العكس.
فازت آذار على هذا الاساس. لكن الحاصل انه بعد ثلاث سنوات من شعار "العبور الى الدولة" يبتعد لبنان عن منطق الدولة اكثر فأكثر.
لأجل ذلك شعار "العبور الى الدولة" لا يكفي وحده مرة أخرى. ولو انه من ناحية اخرى يزداد راهنية وأحقية كلما كنا نبتعد عنه، الا انه يظهر في الوقت نفسه غير كاف، ومتفائلا اكثر من الجائز.
هو شعار يعالج مجموعة مشكلات سياسية. والحق ان هناك مشكلة اساسية، ما قبل سياسية.
فمجدداً، ان تخاض الانتخابات بسلمية وحضارية لكن بين خط يتشبّه بهذا الاطار الذي تجري فيه الانتخابات، وبين خط يشيد حيناً بالتزوير الدموي للانتخابات الايرانية، ويبارك حيناً آخر الاصلاحات التي يقودها بشار الاسد في سوريا، وبينها دستور وانتخابات وسلسلة مجازر مستمرة، فهذا ليس بانقسام سياسي فحسب: قبل ان يكون الشعار هو العبور الى الدولة، ينبغي ان يكون الشعار هو العبور الى الاخلاق. المشكلة الاخلاقية تعني انتخابيا مشكلة اخلاقية سياسية في آن للطرف الذي يتقيد بسلمية انتخابات لكن للتصويت لصالح القتلة في الاقليم، لكنها ايضاً، ولو بشكل آخر، مشكلة للخيار المقابل، المنسجم بين قوله بالإطار الديموقراطي السلمي للانتخابات وبين تضامنه مع حق الشعب السوري في الديموقراطية والسلام، لكن غير المنسجم عنده كل هذا مع كونه يخوض الانتخابات بسلمية وديموقراطية انما مع قوى تكابر على مصاب السوريين وبطولتهم في آن.
 
 

السابق
نتمنى على السيد إصدار فتوى للسلاح
التالي
موانع حمل… للرجال فقط؟