كفاح عفيفي.. عاتبة، على من؟ ولماذا؟


القلق الظاهر في نبرات صوتها ينقل حسرتها على الأحكام القضائية بحق العملاء المحكومين، تروي وتحكي، ولكنه صراخ في البرية. انها المناضلة كفاح عفيفي.
تعمل ليل نهار لتعيل عائلتها الصغيرة. تتفق مع محمد زوجها على تبادل الادوار: هو في دكانه المتواضع، وهي مع الاسرى المحررين.
لا يمكنهما معا ترك مورد رزقهما، اضافة الى مسؤولية الابناء التي تنهكها. تراها الأولى والمقدامة مع رفيقيها أنور ياسين ونبيه عواضة وآخرين في الاعتصامات والتحركات. ولا ترى أسيرة ناشطة مثلها رغم كل مسؤولياتها.
تتابع، ولو في اللحظة الأخيرة عن طريق دعوة فايسبوكية تطلقها هيئة الدفاع عن الأسرى المحررين،، تراها حاملة البوسترات، رافعة جبينها الأسمر باتجاه الشمس، الشمس التي نالت من جسدها أيام الاعتقال وعلمتها حب ارضها اكثر فأكثر. "فبفضلها وبفضل كثيرات مثلها ننعم اليوم بهواء الحرية". أحدّث نفسي.

عندما سمعت خبر اطلاق فايز كرم أحسّت بسمّ يدخل جسمها، خاصة مع الاحتفال الذي رافق اطلاقه والشمبانيا التي زغردت، وهي الاسيرة التي لم يحتفل بها احد من زعماء البلد.
عانت الأمرّين في معتقل الخيام، ظنت أن من في الخارج يضج بقضية الاسرى! لكن الظن خاب. والمفاجأة ان العميل كان عارا وصار فخرا، صار بطلاً.
وتتساءل أين فلسطين منا اليوم؟ من خطابنا؟ أين الاسرى؟ من يرعاهم؟ من يحميّهم من انقلاب المعايير؟ أيّ عصر بتنا نعيش؟ أهو العصر الاسرائيلي الذي كنا نخشاه؟
لقد صار الان يعيش بيننا. الان عصر انقلاب كل شيئ: بكل بساطة تحوّل زياد الحمصي "المقاوم" الى عميل! الى دليل الى جثث "مقاتلي جيش الدفاع".

من يصدّق؟ من يقبل؟ من يشرح الأسباب؟ أهو المال؟ أهي الأحقاد؟ أهو انعدام الحسّ الوطني؟ هل كانت مقاومتنا كذبة نتسلى بها؟ أكانت موضة ارتديناها ومشينا بها؟ أكانت رغبة في الدخول على خط الصراعات الاقليمية؟
لا، وألف لا… لقد كانت أرضي محتلة، وكنتُ أناضل لتحريرها. كنا نتعذب على المعابر، ونهان! ونطرد من بيوتنا!.. كنا نعيش الذل… لقد احتلتنا اسرائيل لتُخرس حسنّا الوطنيّ والقوميّ وفاجعتنا بفلسطين!!

لكن الأقربين والأبعدين غيّروا الموجة منذ نهاية السبعينات، وتركونا نحارب طواحين الهواء والعدو لوحدنا.
ألهذا يأس الاسرى؟ وغابوا عن الاعتصامات؟ أم لأن دولتنا العزيزة ألْهتهم بلقمة عيشهم اللئيم؟ أم انهم يأسوا من الوطن أكثر من يأسهم من العدو؟ كان العدو امامنا اشباحا كرتونية… وبتنا نحن الان امام الأحكام القضائية المتهافتة ألعاباً بالية..
بات خبر اعتصامنا عبارة عن سطرين في اسفل الصفحات في الجرائد اليومية، وبات خبر اطلاق العملاء بالزغاريد، يُنقل مباشرة على الهواء دون وجل او حياء. بات العميل يتوعد المقاومين وليس العكس.. يا لحقارة الزمن..

أية وقاحة يمارسها المتنفذون في لبنان؟ باتت المقاومة سخرية أو تهمة لكثرة ما لاك السياسيون في آثار الحروب الاسرائيلية على لبنان.. بات الاعتصام امام المحكمة العسكرية ازعاجا وإعاقة للسير، لدرجة أن وقفة تضامنيّة مع الاسرى المحررين دعوة يقابلها الكثير من التهكم.
غصة أولى مع كرم، وثانية مع الحمصي.. وثالثة متبوعة لا أحد يدري بمن؟ لا فرق من يكون الثالث أو الرابع طالما ان المعنييّن بالأحكام التخفيفية كانوا أطلقوا سابقا مئات العملاء بحجة إتاحة الفرصة أمام المصالحة الوطنية.
والأفظع من هذا وذاك ان المعنيين أنفسهم أطلقوا ثلاثة عملاء من آل العلم تحت عنوان الوضع الصحي!!
كان العدل سيد الحكم والملك، لكنه بات الآن موضبّا في الكتب وعلى الرفوف. وباتت المقاومة جزءا من التراث اللبناني يتغنى به الرؤساء حين مشاركتهم في بعض المؤتمرات في الخارج على نسق شعار(العيش المشترك). علما ان الاسرى المحررين باركوا عملية 6 و6 مكرر في خلال الاعتصامات.
  

السابق
طلاء الأظافر يسبب السكري؟
التالي
عنصريّة موبّاسان