وطنيتنا وقت الأزمات

في ظل الأزمات التي تعصف أحياناً حولنا وتهدد أمننا واستقرارنا ومصالحنا، ينبري عادة المتشددون من ناحية والمزايدون على الطرف الآخر ليصبوا الزيت على النار لغرض تسجيل مواقف ونقاط ضد الآخر، أو لغرض تحقيق مكاسب شخصية وفئوية خاصة بعيدا عن المصالح الوطنية العليا والمشتركة.

يخبو وقت الأزمات صوت الحكمة والعقل والنظرة المستقبلية البعيدة عن الانفعالات وردود الأفعال، والكل يبرر صحة موقفه حتى لو لم يكن يخدم مصلحة الوطن. بينما نكون جميعا في أكثر الأوقات حاجة للاستماع للصوت المعتدل والحكيم الذي يطمئن الجميع، ويهدئ من القلق وتسود من خلاله حالة الأمن والاستقرار.

الحديث الذي أطلقه سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز خلال زيارته مؤخراً لمحافظة الأحساء حول حيادية الدولة من عقائد المواطنين، وأنها لا تفرق بينهم على هذا الأساس وتحديدا بين السنة والشيعة، وتأكيده على أن هناك من يلعب على هذا الوتر المذهبي، يعتبر هذا الحديث مهماً للغاية، وأصبحت لكلمات سموه صدى وتفاعل إيجابي على مختلف المستويات. هذا الموقف الملتزم من قبل المسؤولين ينبغي أن يتحول إلى مصدر تطمين للجميع، وأن يعزل العامل المذهبي عن أية سياسات تخالف سياسات الدولة، التي تستند جميعها على مواد النظام الأساسي للحكم الضامن لحقوق الجميع وسواسيتهم.

نفس الموقف ينبغي أن يكون ملزماً أيضا لمواقف أي فئة من المواطنين في مطالباتهم، ليكون الهم واحداً والموقف متسقاً مع بقية الشركاء في الوطن. لعل التحدي الأكبر الذي يواجهنا جميعاً هو طريقة إدماج المطالب الخاصة لأي جماعة أو فئة في وطننا ضمن الإطار الوطني المشترك.

يحضرني مثال هنا حول المسلمين في الهند المتنوعة كماً وكيفاً حيث اعترضوا على قيام نظام علماني، إلا أنهم جميعا كهنود طوروه بما يضمن احترام حقوق أتباع كل الأديان، فيضمن حقوقهم وحقوق غيرهم من الهنود أتباع الديانات المختلفة في إطار وطني مشترك.

ليس الموقف مناسباً في ظل الأزمات المتوترة من تبادل الاتهامات، والتلاوم بين مختلف الأطراف، بل في البحث عن أسباب التوتر بموضوعية ومهنية قبل تفاقمها، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها التي تسهم في زرع الثقة بين مختلف أطرافها.

مهما تباينت وجهات النظر والاختلافات بين الأطراف داخل الوطن الواحد، ينبغي المراهنة فقط وفقط على التواصل والحوار والتعامل السلمي والعقلاني، لأنه هو الضمانة المهمة للأمن والاستقرار، وضمانة عدم إعطاء أي طرف فرصة لاستغلال ظروف الأزمة. كما لا ينبغي الالتفات إلى دعاة التطرف والتشدد من أي فئة كانوا لأنهم لا يقدمون حلولا أو برامج عمل بناءة تخدم المصالح الوطنية المشتركة، وبدلاً من ذلك ينبغي تعزيز المبادرات الإيجابية التي تهدف لإزالة الاحتقان والتوتر وتراعي المشتركات الجامعة.  

السابق
امرأة من الذاكرة
التالي
حكومة إبتزاز حزب الله؟