معركة دمشق.. بدأت

معركة دمشق بدأت. ما زالت في بداياتها. من الطبيعي، أن تكون محدودة ومتنقلة. المهم أنّها بدأت. النار ستنتشر لأن دمشق نضجت. الرئيس بشار الاسد ونظامه دفعا باتجاه العسكرة. استخدما ونفذا كل عمليات القتل والانتقام ضدّ المدنيين، حتى يندفعوا إلى السلاح. الآن وقد تعسكرت الثورة تقريباً، فإنّ قوّة النظام الأسدي تتراجع، وقوى الثورة تتطوّر وتتقدّم. إعتقد الاسد ونظامه أنّهما قادران على الحسم، إلى درجة أنّ الاسديين في لبنان كانوا يبشّرون كل ثلاثاء بأنّ ساعة الحسم دقّت، لم تدق الساعة ولن تدق، إلاّ لرحيل النظام الأسدي كله.
الروس يصعّدون دعمهم للأسد. يشيعون أنّهم يريدون المحافظة على الدولة في سوريا. كل يوم إضافي من المواجهات المسلحة، يتعمّق تفكّك الدولة. روسيا خاسرة على جميع الصعد. خسرت أكثر من نصف الشعب السوري وأكثرية الشعوب العربية حاليا وغداً كل الشعب. النظام الأسدي زائل، لا محالة، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تربحان يومياً، لذلك تعملان على تأجيل الحسم، حتى تضعف سوريا والسوريون ويغرق الروس أكثر فأكثر في المستنقع السوري حتى تتكاثر تنازلاتهم. إسرائيل تنام على حرير التفكيك الداخلي لسوريا، لذلك لن تشنّ حرباً مجهولة النتائج.
بعيداً من دمشق، المعركة حتى برأي الأسديين أصبحت على مساحة سوريا. القوى النظامية العاملة تعبت ولم يعد باستطاعتها تغطية كل المناطق المشتعلة. النظام الأسدي لجأ إلى تسليح مجموعات ملتزمة من حزب "البعث" وغيره، وأجبر قوات فلسطينية تحت تهديد إخراجها من سوريا في وقت لا توجد أرض تستقبلها للقتال إلى جانب الشبّيحة. هذا التجييش سلاح ذو حدّين. كلما تصاعدت حدّة القتال، ارتفع منسوب الانشقاقات وتحويل فوهة البندقية باتجاه النظام الأسدي.
الحلفاء من وزن "حزب الله"، يعرفون أكثر من غيرهم أنّ الوضع صعب جداً. في ندوة مقفلة في بعلبك في مطلع هذا الشهر صارح غالب أبو زينب عضو المجلس السياسي لـ"حزب الله" الحاضرين بعد أن أُطفئت الكاميرات، عن الوضع في سوريا ومن سوريا بعد ان تكاثرت أسئلة المشاركين عنها بقوله: "نعرف أنّ النظام في سوريا أمني ومخابراتي وأنّه ارتكب حماقات وأخطاء كبيرة جداً. السيد حسن نصرالله نصح منذ البداية الرئيس بشار الأسد بتقديم بعض الإصلاحات خصوصاً وأنّ الحل الأمني والعسكري لن يجدي، لكنه لم يستجب. نحن نعرف أنّ وضع النظام في سوريا صعب ومعقّد جداً وهو في مأزق ولا نعرف إلى أين يتجه. نحن لسنا مع بشار الأسد ولا النظام، ولكن لأنّ بوصلتنا فلسطين، ولأننا بحاجة إلى عُمق استراتيجي لتأمين مقوّمات المواجهة مع إسرائيل، فإنّنا نقف هذا الموقف. موقفنا ليس حبّاً ببشار الأسد وإنّما بموقع سوريا كعمق استراتيجي للمقاومة".
هذا هو ملخص حديث غالب أبو زينب. المهم ردّة فعل الحاضرين والغالبية العظمى منهم من الملتزمين والمؤيّدين بلا تحفّظ. قال العديد من الحاضرين بصوت عال: "لماذا لا تقولون هذا الموقف علناً، فهو يريح الشارع". جواب غالب أبو زينب كان: "إذا قلنا ما أقوله الآن علناً ورسمياً فإنّ بشار الأسد يسقط اليوم وليس غداً". واقعياً إعلان "حزب الله" مثل هذا الموقف يعني انّ الجمهورية الإسلامية في إيران قد تحوّلت عن بشار الأسد ونظامه، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. إيران تبذل جهوداً مضنية لإنقاذ الأسد ونظامه. لكن لأنّها تعرف جيداً استحالة هذه المهمة فإنّها عبر طرح الحوار على أراضيها بين المعارضة السورية والنظام تمد جسراً إلى المعارضة السورية في عملية التفافية على التحوّلات المقبلة.
الدولة السورية مرشّحة للتفتّت أكثر فأكثر. ارتدادات هذا التفتت على لبنان قوية بلا شك. رغم "خيمة" الضمانات الدولية والاقليمية للبنان، فإنّ التوتر مستمر والخوف من المستقبل قائم. حتى الأسديين يردّدون أنّ مسألة تشكيل حكومة جديدة من ثلاث عشرات لتحييد لبنان جدّياً أصبحت ضرورية لدعمه قبل انهيار الأسد.
معركة دمشق، فرضت سباقاً مع الوقت بين النظام الأسدي والمعارضة. وفي لبنان بين ترك أبوابه مشرعة أمام ارتدادات الزلزال السوري أو تحصينه بسرعة. طالما أنّ أكثر الحلفاء تصلّباً أصبحوا يأخذون بحساباتهم سقوط النظام الأسدي، فلماذا التردّد. التحصين بالانفتاح والمصالحة مطلوب اليوم قبل الغد.
 
 

السابق
مهمة كلينتون
التالي
الإحتلال يخرق الخط الأزرق في جبل الشيخ ويخطف قطيع ماعز