حكومة إبتزاز حزب الله؟

“بمشي الحيط الحيط وبقول يا ربي السترة”، أو على الأقل سترة مؤقتة كي يزول الغبار عن سوريا ويعرف الأطراف مواقعهم، لا سيما حزب الله وهو أبرز المعنيين إقليمياً بالملف السوري في ظل هجوم علني على سلاحه، أي سلاح المقاومة طبعاً، لا الالسلاح الفردي المنتشر بين أيدي الأطفال، يضع الطفل مسدسه على جانبه ويمشي، يمشي وعين الله ترعاه، بينما عين الدولة كما عين الاعتبار، اصيبت بالعمى الكلي، بينما سياسة المشي جنب الحائط، او سياسة النأي بالنفس لا تزال مستمرة لتعمم الصمت كوسيلة للتعامل مع كل شيء وأي متغير.

يغرق حزب الله في حسابات إقليمية تتعدى زواريب لبنان، ولأجلها أسقط حكومة الحريري، التي كانت ربما لتشكل خاصرة داخلية رخوة يسهل للعدو أن يخترقها ويضرب الحزب بها لا بل ويصل من خلالها إلى سلاحه، سقطت حكومة الحريري، ألبست الحكومة الجديدة إسم “حكومة حزب الله” واستبشر الناس خيراً بنهج جديد، نهج إصلاحي تغييري تنموي وتقدمي، يكون الراعي للجميع والضامن للوطن ضمن وسطية ترضي الكل وتنصف المواطنين، لكن حسابات بيدر المواطن لم تنطبق مع حسابات بيدر الحكومة أبداً وأتت لتكون عكس التوقعات، فزادت الأوضاع سوءًا وتردياً إلى حد إعتصام وإضراب كافة القطاعات الرسمية والخاصة، وغلاء الأسعار مترافقاً مع مماطلة وتسويف في زيادة الأجور إلى أن اعطيت زيادة لا تسمن ولا تغني عن جوع، عدا عن مشكلة الكهرباء المتفاقمة والمستمرة منذ عهود، مع العلم أن الوزير المعني طرح خطة فقابله رئيس الحكومة بخطة مضادة تعطيلية اوصلت البلد إلى تقنين على التقنين المقنن أصلاً، وشبكات إتصال رديئة تعرقل السياسة أي مسعى لاصلاحها، مروراً بالماء والنقل والطبابة والتعويضات والتوظيف إلخ..

كل المشاكل المذكورة أعلاه، وما زال حزب الله -من سميت الحكومة بإسمه- يقف موقف المتفرج أو المتوجس من تغيير إقليمي ربما يحصل ويؤثر عليه، مما جعله عرضة للابتزاز من كل الأطراف، من الحليف قبل الوسطي أو حتى الخصم السياسي، فغدا يدفع اثماناً لموقفه في كل يوم، اثماناً من مصداقيته وشعبيته التي بنيت بدماء الشهداء وعطاء المجاهدين، فالحكومة التي كان من المفترض بها أن تقيل أشرف ريفي وتعيد الهيبة المفقودة، وتقيل سهيل بوجي المزور وعبد المنعم يوسف الفاسد، لم تفعل، بقوا في مناصبهم بقوة الإبتزاز الميقاتي المقيت للحزب وحاجته لبقاء الحكومة طالما أن سوريا تعاني ما تعانيه، لم يتوقف الميقاتي عند هذا الحد، بل إستمر في النهج الاقتصادي الحريري المرتكز على سحق الطبقة المتوسطة، وحزب الله أيضاً، يتفرج بعدما كان مناصر الفقراء في حي السلم وطريق المطار وغيرها، إعتمد الحزب على مشاريع الحليف الإصلاحية، لكن مشاريع الحليف تعني القضاء على النهج القائم، أي تهديداً مباشراً للمستفيدين منه، فانتفضت 14 اذار للتصدي إعلامياً ومحاربة المشاريع، فبدل نقاش الخطط بالخطط، هاجموا في كل مرة شخص الوزير أو تياره، بينما تولى رئيس المجلس النيابي من خلال وزرائه مهمة تعطيل أي محاولة لتمرير أي مشروع جديد بالتعاون مع رئيس الحكومة ووليد جنبلاط، الحليف الدائم لبري، من يذكر قانون التأمين الصحي لكل المواطنين المطروح من شربل نحاس؟ كيف كانت النهاية؟ ألم يطير المشروع بفعل “إعتصامات إتحاد النقل والعمالي” بطلب من بري كي يضغط على نحاس؟ ماذا عن خطة الكهرباء ومباريات التوظيف، من حرك المياومين؟، طبعاً من حق المياوم أو العامل باليومية الكفوء أن يتوظف ويدخل ملاك الدولة، لكن أليست الامتحانات معيار ذلك؟ لما الاصرار على إدخال الجميع ونحن نعلم جميعاً أن اغلبهم من المحسوبين على أطراف معينة وهم لا يعرفون أين تقع شركة كهرباء لبنان أصلاً؟ وأيضاً، ما زال حزب الله يتفرج، بينما يستشيط الحليف غضباً وعتباً، ألا يجدر بمن حارب إسرائيل وقاومها حتى هزمها، أن يحارب الفساد فيحرر المواطن كما حرر الأرض؟

نعم، حزب الله اليوم في موقف لا يحسد عليه أبداً، ضغوط وتهديدات خارجية، حكومة محسوبة عليه بينما هي لا تمثل أياً من تطلعاته، حتى أبسط انجازاته لم تحترمها بل اطلقت العملاء الواحد تلو الأخر بمباركة الحليف وإبتزازٍ جديد، إنتشار الجريمة وإنعدام الأمن، فاصبح خبر القتل خبراً يومياً عادياً، بينما يفاخر الوزير مروان شربل “بدري أبو كلبشة” بشهره الأمني، وبأن لبنان يعيش في بحبوحة أمنية، ورئيس الحكومة ينأى بنفسه عن كل شيء إلى أصوات ناخبيه في طرابلس، فيرضخ لمطالب الارهابيين السلفيين وينصاع لما يريدون، مسخراً نفسه كما صديقه وزير المال سائقين شخصيين ودافعين لكفالات قتلة الجيش والشعب السوري في أن معاً، أيضاً، تحت مسمى حكومة حزب الله، بينما حزب الله لا يزال يتفرج، أراد من الحكومة أن لا تكون عبئاً على سوريا، فأصبحت أكثر من ذلك، وتحول شمال لبنان إلى معقل رئيس للجيش الحر والارهابيين الذين لا يمانعون في استهداف الجيش اللبناني إن إستلزم الأمر، أراد حكومة تساعد الناس وتحمل نهجاً جديداً، فازداد الفساد وإنتشر، كل طرف يبتزه من جهة، موقف لا يحسد عليه أبداً..

إذاً، على أرض الواقع، حكومة حزب الله، ليست إلا حكومة إبتزاز حزب الله، إبتزازه بهواجسه ومخاوفه، فهو على إستعداد أن يفعل اكثر وأكثر ليبقي الحكومة خوفاً من البديل أو القادم، مصالح الناس تأتي في الدرجة الثانية، هو يستشعر الخطر المحدق بالمقاومة قبل أي شيء، ينظر إلى التحركات الاسرائيلية وإلى العدو التكفيري المستجد، ظناً منه أن الجبهة الداخلية، أو السند الداخلي مأمن نوعاً ما في ظل حكومة تتوافق ورؤاه، ليثبت يوماً بعد يوم العكس، فمناطقه المحسوبة عليه علا فيها صوت الكهرباء، فعتمة الليل ادخلت الحزب في عتمة السياسة والفساد اللبناني، قضية المخطوفين أثرت أيضاً عليه شعبياً، مساوئ الحكومة، الافراج عن العملاء، مشاكل البيت الداخلي بين عون وبري، عتب العونيين وغضبهم لا بل والتلويح بفض التفاهم فيما يخص الشأن الداخلي، الشبكات الارهابية وانتشارها بشكل مخيف، الفتنة الحاضرة دائماً، وإبتعاد الحزب الشعبوي عن شعبه بسبب كل الضغوط، لم تعد إسرائيل العدو الوحيد في حسابات حزب الله، بل كل ما حوله يهدده ويهدد صورته التي دفعت لاجل تشويهها أمريكا أكثر من 500 مليون دولار لمؤسسات إعلامية، وما يفترض به أن يحميه، أي حكومته، تحولت من حكومة حزب الله، إلى حكومة إبتزاز حزب الله، وشوهت صورة الحزب بين أهله وفي وطنه، أكثر من ملايين أمريكا، فمتى ينتفض الحزب على نفسه ويحرر نفسه والمواطن، بعدما حرر الأرض؟  

السابق
وطنيتنا وقت الأزمات
التالي
منصور: زيارة سليمان لأنقرة كانت محددة سابقا