مؤشرات الانهيار الحتمي

تستقبل موسكو معارضين سوريين وتحاورهم فيما تدعو طهران للمرة الأولى (علناً) الى استضافة حوار بين السلطة الأسدية وهؤلاء المعارضين. والعاصمتان أولاً وأساساً تحملان مهمة منع بشار الأسد من الانهيار. الأولى تمدّه بالدعم السياسي والديبلوماسي والعسكري والخبراتي والاستخباراتي والمواقف الفاجرة. والثانية تمدّه بما أمكنها، أي بالمال والأمن والتذخير والتفكير! وبعض "ويكيليكس" يقول إنها تمدّه حتى بالعنصر البشري.
مع ذلك، تحفظ الدولتان أو تحاولان حفظ خط الرجعة. وتعكسان في الإجمال، من خلال التحرك نحو المعارضة، القراءة المضمرة والمكبوتة عندهما لمستقبل سوريا وسلطتها وبشّارها. وفي تلك القراءة سطور كثيرة تدلّ الى مسار حتمي لا مناص ولا مهرب من الوصول الى خواتيمه، مهما عربدت وطغت واستشرست آلة السلطة العسكرية والأمنية والتشبيحية، ومهما كان الدعم الخارجي لها كبيراً ومهمّاً.. ويائساً.
المفارقة في الأمر أوضح من غرابته. موسكو الصاحية أخيراً من غفوة ثورة قلبت عاليها سافلها وحكمت وتحكّمت بها وبنصف الكرة الأرضية على مدى سبعين عاماً، وطهران الراتعة في ثلاثة عقود من ثورتها، تعرفان حُكماً معنى الهدير الشعبي العام والعارم ومآله الأخير، أيّاً كانت طبيعة السلطة القائمة في وجهه، وأيّاً كان شكل المدَد الآتي إليها من خارج.. وتعرفان حُكماً وقياساً ومقارنة، ان الثورة السورية هي ثورة حقيقية تامة، مكتملة المواصفات والشروط في أسبابها ودوافعها ومحركاتها ومكوّناتها وأبطالها. وتعرفان تبعاً لذلك وأكثر من غيرهما المصير الأخير لحليفهما الدمشقي.
.. هذا في المفارقة، أما في الغرابة، فإن تلك القراءة المكبوتة كانت تحتّم ترجمة للمواقف غير تلك التي ظهرت ولا تزال باللغتين الروسية والايرانية، وكانت تحتّم قياساً غير ذلك المعتمد من قبلهما والذي يأخذ المصالح العليا الى أمكنة أخرى غير تلك المألوفة في العلاقات الدولية، حيث ربطت موسكو مصير تاريخها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع سوريا وعبرها مع العالم العربي، والى حدّ ما مع أوروبا والولايات المتحدة بسلطة بشار الأسد وحاشيته، وفي ذلك شطط خطير وغير طبيعي وغريب، إلا إذا قيل للعالم، ان سيرغي لافروف هو فعلاً من يرسم السياسة الخارجية لبلاده.. العظمى!.
أما طهران، فتبقى في كل سياستها الخارجية أسيرة مُعطى لا علاقة له بذلك القياس من أساسه، حيث اعتادت على حسبة شديدة البساطة والتعقيد والغرابة في الوقت نفسه: تبحث عن مصالحها قبل أي شيء آخر، لكنها تفترض أن تلك المصالح لا تؤمَّن إلا بمنطق القوة والفرض والتدخل في شؤون الآخرين واستغلال أي نقطة ضعف أو توتر في ملاعبهم وأوطانهم ومجتمعاتهم الى آخر حدود الاستغلال.. والسيرة طويلة والبيان قصير!.
.. لكن الذي حصل ويحصل انطلاقاً من العاصمتين باتجاه المعارضة السورية، يدلّ أخيراً الى تلك المحاولة الاستلحاقية لإبقاء شيء يربطهما بسوريا المستقبل. لكن الأهم من كل ذلك، هو الفحوى الأخير: أبرز مؤشرات الانهيار الحتمي لسلطة الأسد لا تأتي من الشارع السوري وحده وانما ايضاً من حلفائها الوحيدين في هذا العالم.. وهذه قصة كبيرة وان كانت لا تزال في بداية الفصل الاخير منها.
 
 

السابق
لافروف: نصر على تمديد مهمة المراقبين في سوريا
التالي
الاحتفاظ بسجلات الطعام يفقد الوزن