أي حل سوري وأي حل دولي ؟

مشكلة كوفي أنان هي مشكلة الذين أوفدوه والذين جاء لحل مشكلتهم، بصرف النظر عن الأخذ والرد حول طريقته في أداء مهمته. وليس ما قاده حتى اليوم الى الفشل، ولو في وقف العنف، سوى مزيج من اصطدامه بالواقع الصعب في سوريا وتعثره بالحسابات الباردة والمواقف الحامية للعواصم التي تقف وراءه، وتكبل يديه بالقيود الثقيلة. فلا الديبلوماسي فيه قليل الخبرة والحنكة والصبر. ولا السياسي فيه تعوزه الدقة في قراءة الخطوط والخيوط المحلية والإقليمية والدولية المتشابكة على خارطة الصراع. ولا الانسان فيه عديم القلب أمام مشاهد العنف والمجازر التي أحدثتها مجزرة التريمسة الرهيبة في ريف حماه.
وحين يتظاهر المعارضون تحت عنوان جمعة إسقاط أنان، فإنهم يندفعون بالغضب واليأس للاحتجاج على الأداة التي تبدو كأنها تدير اللعبة في حين تُدار بها اللعبة. والمفارقة انهم يطلبون المساعدة من القوى التي تعرف أن خطة أنان ساقطة، لكنها تريد إبقاءها في الجو تاركة الأحداث على الأرض تأخذ مجراها الى أن تنضج في الكواليس ظروف الصفقة الكبيرة أو أن تكتمل شروط الاندفاع في سيناريو عمل كبير لتغيير اللعبة.

ذلك ان الموفد الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية فقد منذ البدء النصف العربي من تفويضه حين اعتبرت دمشق أن الجامعة العربية التي علقت عضويتها منحازة وردت على ذلك ب عزل الجامعة. أما النصف الدولي الآخر، فإنه معطل عملياً بالانقسام في مجلس الأمن بين الدول التي تملك حق الفيتو: أميركا وبريطانيا وفرنسا ضد النظام، وروسيا والصين مع النظام. وهذا المجلس المنقسم هو الذي ذهبت اليه الجامعة العاجزة وسلمته كل أوراقها.
ومن الصعب الحديث عن أوراق في يد أنان. فالقرار الجديد الذي طلبه من مجلس الأمن محل خلاف كبير. واتفاق مجموعة العمل في جنيف على حكومة انتقالية اصطدم بالخلاف على التفسير بين واشنطن وموسكو. حتى الإجماع في دمشق وعواصم المنطقة والعالم على دعم خطة أنان، فإنه مجرد تسليم نظري بخطة يصعب تطبيقها في انتظار البحث العملي عن بديل منها.
وأقل ما يكشف عمق المأزق هو أن يتحدث أنان والقوى التي تلعب كل الأدوار وتمارس كل أنواع التدخل الخارجي في سوريا عن حل سوري يقوده السوريون. فهو مبدأ صحيح ومخادع في الوقت نفسه. إذ الأحداث تجاوزت الحل السياسي السوري. والخلافات تحول دون الحل السياسي الدولي. والباقي، وسط اكتمال الأقلمة والتدويل، هو ما سماه الرئيس بشار الأسد الحرب الحقيقية التي يتصور كل طرف فيها أنه قادر على النصر.

السابق
أنان.. وأستاذه الأسد!
التالي
الملحمة السورية