علي فضل الله: نخشى سقوط الحكومة تحت وابل المشاكل المتراكمة

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، ولنحرص عندما نواجه التحديات الخاصة والعامة، أن لا ننسى الله، أن لا ننسى حضوره وكونه السند والملجأ والملاذ، فهو كما تحدث عن نفسه، نعم المولى ونعم النصير، وهو قال: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، وعندما نتوكل على الله حقيقة، وعندما نثق به وبوعده ونقول: "اللهم من أصبح وأمسى وله ثقة ورجاء غيرك، فإني أصبحت وأمسيت وأنت ثقتي ورجائي في الأمور كلها"، فسوف يتحقق وعد الله لنا.
{ومن يتق الله يجعل له مخرجا * يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}. وقد ورد في الحديث: "من أحب أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله، ومن توكل على الله، ذلت له الصعاب، وتسهلت له الأسباب".

اضاف: "العاملون، المتوكلون على الله، لا يعرفون في كل مسيرتهم إحباطا ويأسا وهزيمة، حتى لو أغلقت أبواب الدنيا أمامهم، وانسدت كل المنافذ في وجوههم، فإنه يبقى باب الله القوي العزيز الجبار القهار مفتوحا أمامهم، وتبقى يده الحانية على المستضعفين من عباده تمتد إليهم، تعطيهم قوة وأملا وحضورا".

وتابع: "نحن في هذا العالم، عندما نشتغل في السياسة أو في الاقتصاد أو الاجتماع أو في القضايا الخاصة، لا ينبغي أن يكون اتكالنا على هذا الموقع أو ذاك، أو هذا المحور أو ذاك، أو على هذا الشخص أو ذاك. اتكالنا على الله، ثقتنا به، أملنا بنصره وعزته. وعندما نتحدث عن ذلك، فإننا نتحدث عن حقائق حصلت في التاريخ، وعن وقائع تجري أمامنا، وها نحن اليوم نستعيد حرب تموز، هذه الحرب التي أرادها العدو قاضية لإنهاء المقاومة وإسقاط الوطن، لقد أعد لها كل قوته ومعه العالم، ولكن بالتوكل على الله، والثقة به، وبعد ذلك بالجهاد، والصبر والوحدة والتضامن وحسن التخطيط في إدارة المعركة عسكريا وسياسيا، فشل العدو في تحقيق غاياته، رغم اختلال موازين القوى المادية. ذهل العدو، وكل مواقع القرار في العالم، ولكننا لم نذهل، كنا واثقين بقول الله لرسوله: {لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}، {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}".

ورأى "إننا نحتاج إلى إبقاء هذه الروح حية في كل واقعنا لمواجهة هذا العدو، الذي لن يكل ولن يمل حتى يثأر لهزيمته. ولذلك، مزيدا من الثقة بالله، ومزيدا من الاستعداد، ومزيدا من الوحدة والتضامن، ومزيدا من الوعي، حتى لا نضعف أنفسنا بأنفسنا. كفانا تصويبا على مواقع القوة لدينا، ومن أراد التصويب فليقدم البديل الواقعي والحقيقي والجدي، البديل في هذه المرحلة، لا في المستقبل القادم. إن الكلام المنطقي "ابق ما كان على ما كان حتى يأتيك قاطع البرهان"، لنبق ما كان حتى نثق أننا بأمان من الكيان الصهيوني".

وقال: "ونصل بعد ذلك إلى فلسطين، حيث يستمر العدو في عدوانه على غزة، كما حصل بالأمس، كما يتابع هذا العدو سياسته الاستيطانية واقعا، وهذه المرة يسعى إلى شرعنة ذلك تشريعا، وذلك من خلال تقرير لجنة البؤر الاستيطانية الصهيونية في الكنيست الصهيوني، باعتبار الاستيطان أمرا شرعيا، وأن الكيان الصهيوني ليس دولة احتلال. وبالتالي، فإن هذه اللجنة أوصت بتغيير النظام القضائي الصهيوني المعمول به في الضفة الغربية، لتأمين الفرص أكثر للصهاينة بالاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المزيد من المستوطنات".

اضاف: "إننا لا نرى في هذا القرار أمرا جديدا، حيث من الطبيعي أن يأخذ العدو مثل هذا القرار في ظل سعيه للاطباق على فلسطين وعدوانه في ظل التغطية الدولية له، لكن القديم الجديد، في هذا الأمر الذي بات يمر مرور الكرام هو السكوت الذي نخشى أن يكون طابع المرحلة والمستقبل. ولذلك نقول للشعوب العربية والإسلامية، إن فلسطين هي عنوان قوتكم، فإن أصررتم على حفظها، ستؤكدون للعالم أنكم لا تنامون على ضيم، إنكم جديرون باحترام أراضيكم ومقدساتكم، ولن يجربوا مرة أخرى، وإن رأوا تخاذلكم عن هذه القضية، واستغراقكم في قضاياكم وهواجسكم والفتن التي تنتجونها في كل مرحلة، وسياسة التنازلات التي تبتدعون بها تبريرات في كل مرحلة، فستتكرر المأساة وتكبر المعاناة".

وتابع: "على مقربة من فلسطين، تدور رحى الأزمة في سوريا على الجميع، في أعداد الضحايا اليومية، وفي الاقتصاد، الذي يهتز يوميا، وفي الأمن الاجتماعي المتداعي، في الوقت الذي لا يزال هذا البلد في قبضة المحاور الدولية، التي تدرس خياراتها انطلاقا من مصالحها الاستراتيجية، وهي لن تكون أبدا لمصلحته. إننا نخشى من الحديث الذي بدأ يتداول، وهو أن فرص الحوار قد انعدمت، وإن موازين القوى على الأرض باتت هي العامل الحاسم الآن، ما يعني تدميرا لهذا البلد ومجازر في ظل الواقع المعقد والتدخلات الخارجية فيه. لهذا نقول لكل الذين يتحدثون بلغة الحسم ويمارسونه: ارحموا هذا البلد ومقدراته، وليكن حرصكم على الاستفادة من دعوات الحوار التي انطلقت في الأيام السابقة، ليكن التفكير كيف ننطلق من ذلك لإبقاء هذا البلد بلدا قويا وقادرا، ولمنع كل الذين يتلاعبون على أرضه من أن يجدوا مجالا خصبا لذلك".

وقال: "أما لبنان، فإننا نرحب بالقرارات التي اتخذتها الحكومة أخيرا، وإن كنا نرى أن حركتها لا تزال سلحفاتية وبطيئة، وليست بمستوى الآمال المعقودة عليها، والتي طرحتها عند انطلاقتها. اننا نخشى سقوط الحكومة تحت وابل المشاكل المتراكمة التي لا يصار إلى حلها أو حلحلتها إلا من خلال ضغط الشارع، وكأن المسؤولين قرروا تمهيد الطريق للناس لكي تلجأ إلى هذه الأساليب في إحراق الدواليب وقطع الطرقات، حتى يحصلوا على حقوقهم، سواء كانوا مياومين أو متعاقدين، أو إذا كانوا موظفين يطالبون بحقوقهم الطبيعية في سلسلة الرتب والرواتب".

واستغرب "هذا الضعف الذي يعتري أجهزة الدولة وإداراتها على الصعد الأمنية والإدارية، وهذا الأسلوب في الهروب دائما إلى الأمام، من خلال تأجيل الملفات وترحيلها إلى مراحل أخرى، لأننا نخشى من أن الناس لن تنتظر كثيرا، ومن أن الظروف الراهنة، وتطور الأوضاع في المنطقة، لن تمهل اللبنانيين كثيرا، وعسى أن تحمل جولات الحوار القادمة فرصا حقيقية للخلاص والحل".

وختم: "لا بد من الإشارة أنه، وعلى المبنى الفقهي لسماحة السيد، الذي يعتمد الحسابات الفلكية مع إمكان الرؤية، فإن الأول من شهر رمضان سيكون يوم الجمعة القادم في العشرين من تموز في لبنان وفي العالم، سائلين المولى عز وجل، أن يعيده علينا بالخير واليمن والبركة، والوحدة والألفة إنه سميع مجيب الدعاء".  

السابق
سعد: للتحرك دفاعا عن صيدا وهويتها واستقرارها
التالي
ا.ف.ب. سفينة روسية تنقل مروحيات لسوريا من القطب الشمالي