الشرُّ الكبير والوطن الصغير

إذا قيل إنه ليس من الضروري أن يكون كل ما يلمع ذهباً، فليس من المحتّم والمؤكّد أن يكون هدف التحرّشات الحدوديّة شبه المتواصلة إحداث بلبلة وقلاقل في البلد الواقف على شفير الانزلاق بصورة شبه دائمة.
أو تحريك النار النائمة تحت الرماد، ومعها "الفتنة الكبرى" التي يخشاها ويسعى إلى تلافيها أولئك الذين ذاقوا المغراية، وعايشوا وقائع ويوميّات الحروب الأهليّة الطوائفيّة القذرة.
إذاً، والحال هذه، استناداً إلى أيّة معطيات وأسس تُبنى التحذيرات المتتالية وشبه اليوميّة من قطوع كبير، مع التسليم بأن البلد على كفّ عفريت، إن لم يكن على كفّ فتنة؟
واقع الحال في الداخل اللبناني وتركيبته الطوائفيّة، وانعدام الانصهار بين مختلف الفئات بما يشكّل شعباً واحداً ومجتمعاً واحداً وانتماءً واحداً إلى وطن واحد موحّد، فضلاً عن التداخل الخارجي والطوائفي في التركيبة اللبنانيّة الهشّة، هذا كلّه يجعل البلد المعطّل والمشلول معرّضاً لشتى الاحتمالات وأقساها وأقصاها تطرّفاً وتهوّراً.
والتخوّف المعلن عبر الفضائيّات والأرضيّات من عواقب الحوادث الحدوديّة، والمطاردات السوريّة المسلّحة حتى بالمدفعيّة، والتي تلاحق الناس في عمق الأراضي اللبنانيّة ويوميّاً تقريباً، ليس من باب المزايدة أو المبالغة.
فالتشرذم داخل لبنان، وارتباط بعض المتشرذمين بالنظام السوري، وارتباط آخرين بالنظام الإيراني، إلى ارتباط البعض "وهميّاً" بأميركا و"تاريخيّاً" بفرنسا وأوروبا عموماً، هذا التشرذم وهذا الواقع لا يحتاجان إلى أكثر من عود كبريت، أو إيماءة، أو إشارة، ليندلع الحريق.
ولتندلع الفتنة…
في كلمته، خلال احتفال منح الرئيس نبيه بري جائزة الرئيس الهراوي، يقول جان عبيد، السياسي المؤدّب، "إن لبنان مصابٌ ومنخور في المؤسّسات والمسؤوليّات وانهيار حكم الحكومات".
والأسوأ من هذا كلّه إنه "مصاب بالتمسُّك بالسلطة على حساب الدولة، وبالبحث عن الشعبويّة عند الناس بدلاً من الاحترام لديهم. فيجري استفزاز المشاعر والمذاهب والطوائف والأديان، ويرتفع استفزاز الغرائز في كل مكان، وفي كل لحظة، وفي كل موضوع".
هكذا، على هذه الصورة، وهذه الأسس، يؤخذ لبنان واللبنانيّون إلى جحيم الفتن والتحريض. والفتنة في أوّلها قد يكفيها سطل من الماء لإخمادها، "ولكنّها بعد اندلاعها لا يعود ينفع معها لا نهر ولا بحر من المياه".
الخوف من الأعظم، ومن الفتن، ومن الفلتان، له ما يبرّره عند الناس، وله أسباب ووقائع لا تزال ماثلة على الأرض وفي الأذهان، ولا تزال الرسائل الدمويّة "الإيحائيّة" تهطل كالمطر شمالاً وجنوباً.
يجب كسر هذا الشرّ الكبير عن هذا الوطن الصغير…

السابق
السفير: سليمان يلتقي هولاند: لا عملية عسكرية سورية شمالاً
التالي
حراك القطيف.. النار تحت الرماد!