بلدات ساحل الزهراني عطشى

يفرش الساحل الجنوبي خضرته بدءا من الزهراني، وصولاً إلى «أبو الأسود»، بعدما غيرت أشجار الموز الطابع العام للمنطقة، التي كانت تسمى ساحل الحمضيات. مياه الريّ مشكلة المشاكل، ويزيد منها انقطاع الكهرباء. وفي حين ان بلدات الساحل تغرق بمياهها، يفتك اليباس بمزروعات الداخل بسبب «التوزيع المتفاوت للمياه بين البلدات»، فكان الحلّ بحفر آبار ارتوازية «غير شرعية». وتتوزع بلدات «اتحاد ساحل الزهراني»، بين الشاطئ الرملي، والداخل المغلق، عبر الطريق البحرية، من الغازية، الزهراني، العاقبية… ثم عبر أوتوستراد النبطية – زفتا كالنجارية والمروانية. الصرفند المتألقة بين بلدات الساحل تعيش حركة اقتصادية فاعلة، كأنها مدينة قائمة بذاتها، لها طابعها ومقدّراتها، بينما تنتظر تفاحتا، وأنصارية، ولوبية، ضيفا يقصدها. ويتوزع المشهد، بين بلدات زراعية محضة، وبلدات هجرتها البساتين، وامتدت المباني والأسواق في أرجائها.
ولم تعد الزراعة الركيزة في معيشة أبناء المنطقة، والمشاكل التي تواجه القطاع تبدأ من مياه الريّ، مرورا بارتفاع كلفة الإنتاج، وصولاً إلى مشاكل التصريف. وتعيش بلدة المروانية أزمة المياه بكل تفاصيها، إذ باتت تشتري مياه الشفة بالصهاريج. ويجتاح اليباس المشهد العام والأراضي البور ازدادت مساحتها أكثر من ضعفين. المزارع علي حجازي، ترك مساحة ستمئة وخمسين دونما من أرض كان يستثمرها في زراعة الخضر، وتحديدا اللوبياء. اليوم ترك مهنته، لينتقل إلى بيع المياه، يشتريها من الآبار الخاصة في البلدة وينقلها للناس للاستعمال المنزلي. «لا أحد بعد اليوم يشتري المياه للريّ»، يقول حجازي: «الناس ما قادرة تأمن مياه للاستخدام، حتى الحواكير أمام البيوت يبست، لا وجود لوردة أو شتلة بندورة، بتستحلي تشوف نبتة خضرا».
لا تصل المياه إلى بلدة المروانية بشكل كافٍ، تكتفي بما تبقى من آبار تفاحتا، بعدما تمرّ بمجموعة من البلدات، والكوثرية، والغسانية، والشرقية، والنميرية، وزفتا. هكذا تبقى الحصة القليلة لها، حتى تكاد لا تصل. وبعد توقف مياه نبع الطاسة عن الوصول منذ ما يقارب العشرين سنة، نتيجة أعطال في شبكة المياه. ولأن مياه نبع الطاسة لا تكفي بلدات النبطية، يعتمد أهالي ساحل الزهراني على ثلاث آبار خاصة في البلدة. اثنتان لا تعملان بسبب غلاء المازوت، أما الثالثة فيعتمد عليها بشكل رئيسي. يشتري علي حمزة عشرة صهاريج شهرياً، سعر الواحد عشرون ألف ليرة. ومع هذا يدفع اشتراك المياه السنوي، لـ «مصلحة مياه لبنان الجنوبي». يتوجه علي حمزة إلى البلدية، وكل مرة يرفع شكواه محملة بالمرارة والمعاناة. في المقابل يعرب رئيس البلدية محمد حجازي «أن البلدية لا تستطيع إيجاد حلول فعّالة للمشكلة. وفي الواقع يجب على مصلحة المياه تأمين بدائل، في بلدة يتواجد فيها ألف وثلاثمئة وحدة سكنية، تحتاج يوميا، إلى أكثر من ألفين وأربعين برميل مياه»، لافتاً إلى ازدياد حدة المشكلة «مع التقنين القاسي للكهرباء، ومع الأعطال التي طالت ثلاث آبار من أصل سبع في تفاحتا». يتوقع حجازي أن تصل الأزمة إلى ذروتها في آب المقبل، آملا بحلول فعّالة في المدى القريب.
يختلف الواقع في بلدة عدلون، حيث «لا أزمة مياه»، كما يقول محمد وهبي «تصلنا مياه الري، من مشروع الليطاني، 22 يوما شهرياً. لا نشعر بالأزمة مع وجود الآبار في البلدة». منذ خمسين سنة وبساتين الحمضيات تغطي عدلون حتى رأس الظهور. ولأن المرتفعات التي لا تصلها المياه بشكل جيد، فحفر الأهالي آبارا ارتوازية عديدة، يبالغ البعض في أن عددها يقارب الستين بئرا، بينها عدد قليل من الآبار الشرعية. أما الآبار المنتشرة بين بساتين الموز، والتي تتطلب مياها أكثر من الحمضيات، فتنذر بمشكلة مستقبلية، حيث يشير المتخصصون إلى أنها «ستزداد ملوحة».
وتضم تفاحتا تجمعا لآبار ارتوازية تغذي معظم بلدات الاتحاد بالمياه. تلك الآبار أنشأها «مجلس الجنوب»، وتشرف عليها «مصلحة المياه للبنان الجنوبي»، يؤكد رئيس البلدية أحمد كوثراني «عدم وجود أزمة مياه في البلدة، لكن ما حصل مؤخرا من مشاكل في الكهرباء، حرم بعض البلدات من وصول المياه إليها بشكل جيد»، لافتا إلى أن «مياه الآبار جميعها صالحة للشرب». أما أحمد بكري صاحب أحد بساتين الحمضيات، فيعتمد في ريّ بستانه على بئر ارتوازية خاصة. البلدة الغنية بالمياه، تضم أكثر من ثلاثين بئرا خاصة، منها آبار جوفية، ومنها ما يجمع مياه الينابيع السطحية. ومع استفحال أزمة مخالفات البناء والاعتداء على الأملاك العامة في المنطقة العام الماضي، ازداد عدد الآبار غير الشرعية بشكل كبير، حيث تبلغ أقصى تكلفة لحفر بئر ارتوازية نحو ثلاثين ألف دولار، وهو رقم مقبول بالنسبة لأصحاب البساتين. كما تضمّ بلدة لوبيا ما يقارب الستين بئرا خاصة للبساتين، أكثرها غير شرعي. يقول أ. م.، وهو صاحب بستان للموز: «عندما تدفع خمسة آلاف دولار لمكتب وزير الطاقة تصير البئر شرعية! فليدعونا ندبّر حالنا.. وعندما يوجد النظام عن جدّ، أول ناس نحنا منلتزم».
أزمة مياه الريّ زادت على الدولة مشاكل في مياه الشفة، التي تعمل على أن تكون بمواصفات جيدة، فتخضع لمجموعة من عمليات التصفية، والكلور. ويأتي عدم الفصل بين مياه الاستخدام ومياه الشفة، ليكلّف الدولة أعباء إضافية. لكن لا خطط جديدة، كما يقول رئيس «اتحاد ساحل الزهراني» ورئيس بلدية لوبيا علي مطر. يؤكد مطر أن «ظاهرة الآبار الارتوازية سلبية، لكن لا حلول أمام الناس، فالمنطقة تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة ولا يمكن التخلي عنها بسهولة، علما بأن المساحات العمرانية أكلت نصف مساحات البساتين». ويلفت الى أن «الحلّ الذي لجأت إليه بلدية لوبيا، في ظل أزمة الكهرباء، لتأمين مياه الشفا من البئر المشترك مع بلدتي عدلون والبابلية، هو تشغيل مولّد كهرباء كبير كان يستعمل في معصرة البلدة، لسحب الماء من البئر. وهكذا كانت وطأة أزمة المياه في لوبيا أقلّ من البلدات الأخرى». ويشير مطر إلى «مشروع يجري العمل عليه حاليا، وهو إعادة تفعيل مشروع أطلق في العام 1950، مع برنامج النقطة الرابعة، وهو برنامج المساعدة الفنية والاقتصادية الأميركية للدول النامية، حيث اختير في وقتها قصر مائي يقع بين بلدات الصرفند، والسكسكية، ولوبيا، وأنصارية وعدلون، يجمع مجموعة من الآبار الارتوازية، سيعاد تصليحها مجــدداً، بإشراف مصلحة المياه، ويتوقع أن يساعد في تخفيف أزمة المياه في بعض البلدات».
وبعيداً عن حفر الآبار غير الشرعية، يشرح الدكتور أحمد الحاج أستاذ مادة «حصاد المياه» في «كلية الزراعة» عملية بسيطة يمكن أن يعتمدها المواطن لتأمين حاجاته من المياه، «يبلغ معدل الأمطار في لبنان ثمانمئة ميلليتر في السنة، ما يسمح لسطح منزل بمساحة مئة متر مربع، أن يجمع ثمانمئة ليتر بالمتر المربع، ما يعادل ثمانين مترا مكعبا، فإذا كان متوسط عدد أفراد هذه العائلة هو خمسة، يبلغ حجم احتياجاتها اليومية من المياه، سبعمئة وخمسين ليترا، وبالتالي فإن كمية المياه هذه يمكن أن تمدّ المنزل بحاجــاته اليومية لمدة ثلاثة أشهر ونصــف الشهر، إضافة إلى جودة ونظافــة هذه المياه، بحيث لا تمرّ بشبكة أنابيب الدولة التي تعاني الكثير من المشاكل».
أزمة المياه ككــل أزمات هذا البلد، تبقى عالــقة، بانتــظار أن يزيدها الوقت ســوءا، المواطــنون في تزايد، والخطــوات الخــاصة تساهم في تراجع بيئي كبــير، لتزيد الآبار العشوائية المشــكلة حدّة، وأمام الحاجة الملحّة للمياه يتدبر المواطنون أمرهم، والدولة في غياب تام.  

السابق
مكافحة حشرات الزيتون في حقول في المغيرية
التالي
صيدا: الباعة ينهون تحركهم