الجمهورية: حزب الله” يتجاوز تمويل المحكمة متمسّكاً بالحكومة

الخلاصة التي خرج منها كلّ من تابع الانتفاضة العونية على قضية المياومين وما تبعها من مقاطعة لجلسات مجلس الوزراء ظنّ للوهلة الأولى أنّ ما عجزت عنه قوى 14 آذار سيحقّقه "التيار الوطني الحر" بإسقاط الحكومة الميقاتية، ولكن بـ"سحر ساحر" عاد التيار والتحق بركب هذه الحكومة وتراجعت حدّة انتقاداته على رغم أنّ أساس الأزمة لم يُعالَج، وكأنّ ثمّة من تحرّك سريعاً وأصدر قراراً واضح المعالم تبلّغه القاصي والداني بأنّ إسقاط الحكومة خطّ أحمر. وعلى هذا الأساس عادت الأمور وانتظمت تحت عنوانين: تعويم الحكومة عبر إقرار الموازنة وتهريب التمويل، واستمرار هذه الحكومة كأداة وظيفتها الإمساك بمفاصل السلطة لمصلحة "حزب الله" وتنفيذ سياساته من حجب داتا الاتصالات إلى تغطية الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية…
وقد أكّد تمويل المحكمة مجدّداً أنّ أوّلية "حزب الله" هي الحكومة لا المحكمة، وبالتالي هو مستعدّ لتجاوز كلّ الأمور المبدئية ومواقفه الاعتراضية الحادّة حيال المحكمة شرط عدم التخلّي عن السلطة، هذه السلطة التي بات استمرارها يشكّل غطاء للجريمة السياسية وانتهاكاً للسيادة الوطنية وإخلالاً بالميثاق الوطني.
وقد جاء التمويل في اللحظة التي رفعت فيها المعارضة سقفها لإسقاط الحكومة تحت عنوان حجبها لداتا الاتصالات، فردّ عليها الحزب بالتمويل ليحجب الاهتمام بالداتا لمصلحة الترحيب بهذه الخطوة التي "تمثل دليلاً مهمّاً على تأكيد احترام لبنان الالتزامات الدولية"، كما جاء في بيان للولايات المتحدة. فالتمويل، بمفهوم الحزب، لا يأخذ من دربه شيئاً، فهو ليس بوارد تسليم المتهمين الأربعة ولا التعاون في أيّ مسألة أخرى، لا بل إنّ هذا التمويل يخدم الحكومة التي كان وراء قيامها بإعطائها شرعية خارجية تستغلّها لضرب ما تبقّى من مقوّمات سيادية وتعريض أمن اللبنانيين وحياتهم للخطر.
وفي مطلق الأحوال، وعلى قاعدة تِنذكَر ولا تنعاد، يصادف اليوم ذكرى حرب تمّوز 2006، هذه الحرب التي شكّلت محطة فاصلة بين مرحلتين: مرحلة انتفاضة الاستقلال من أجل العبور إلى الدولة، ومرحلة الانتفاضة المضادة من أجل العودة إلى زمن الوصاية، هذه الانتفاضة التي نجحت ولو جزئيّا بتشكيل الحكومة الانقلابية التي وظيفتها الأساسية إبقاء الدولة مفكّكةً والوطن مستباحاً.
تمويل المحكمة بلا ضجيج
وكما أشارت "الجمهورية" أمس ، وعشية لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، موّل لبنان حصّته من المحكمة لهذا العام، بنسبة 49 بالمئة من ميزانيتها. ومرّت عملية التمويل بهدوء وبلا صخب سياسيّ أو اعتراض، وفي ظلّ صمت مطبق من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" المعترضين أصلاً على إنشائها، وغير المعترفين بها.
وفي معلومات لـ"الجمهورية" أنّه عند الوصول إلى البند 32 المتعلق بتمويل المحكمة خاطب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الوزراء بقوله إنّ هذا البند سحبته من الموازنة لانتفاء الحاجة، وقد حوّلت الأموال إلى لاهاي. ولم يُبدِ أيّ من الوزراء لا اعتراضاً ولا استفساراً ولا سؤالاً، وكأنّهم لم يسمعوه، باعتبار أنّ الغالبية الكبرى منهم كانت على دراية مسبقة بالتسوية التي طالت بند التمويل.
وحتى إنّ وزراء حزب الله سُئلوا لدى خروجهم من الجلسة عن هذا البند، فأجابوا أنّه لم يناقش على طاولة المجلس ولا نعلم عنه شيئاً لأنّ موقفنا لم يتغيّر وهو أنّه لا نعترف أصلاً بوجود المحكمة.
وكشف ميقاتي أنّ تمويل المحكمة تمّ صباح اليوم (أمس) على غرار العام الفائت، لذلك تمّ سحب هذا البند من الموازنة. وقال: "التمويل تمّ بالطريقة نفسها التي حصلت العام الماضي، وليس بالضرورة عبر المصارف".
من جهتها، أكّدت المحكمة أنّها تسلّمت مساهمة لبنان في ميزانية العام 2012 من الحكومة اللبنانية، مشيرة الى أنّ الحكومة اللبنانية حوّلت مبلغ 26927270 يورو، أي ما يعادل نسبة 49 بالمئة من ميزانية المحكمة، لحساب المحكمة المصرفي صباح اليوم (أمس). وشكرت المحكمة للحكومة مساهمتها للعام 2012 والتزامها المستمرّ بعمل المحكمة.
ورحّبت الولايات المتحدة الأميركية عبر "تويتر" بمساهمة لبنان في تمويل المحكمة الدولية لسنة 2012، ممّا يمثل دليلاً مهمّاً على تأكيد احترامه الالتزامات الدولية، مشدّدة على أنّ عمل المحكمة "يشكّل فرصة للبنان ليتخطّى تاريخه الطويل في الإفلات من معاقبة العنف السياسي".
وكانت المحكمة أعلنت في وقت سابق أنّ "غرفة الدرجة الأولى ردّت دفوعاً قدّمها محامو الدفاع عن المتّهمين الأربعة يطلبون فيها تعليق الإجراءات الغيابية أو إعادة النظر فيها"، مشيرة الى أنّ "محامِي الدفاع احتجّوا في دفوعهم بأنّ المحاكمات الغيابية هي انتهاك لحقوق الإنسان وأنّ المتّهمين لم يبلغوا بالتّهم المسندة إليهم وفقاً للأصول".
سليمان ـ هولاند
إلى ذلك، وعشية لقاء سليمان مع نظيره الفرنسي، لفتت وزارة الخارجية الفرنسية الى أنّ زيارة سليمان ستشكّل فرصة للتأكيد على علاقات الصداقة العميقة التي تربط لبنان بفرنسا، ومن أجل التطرّق الى ملفّات إقليمية مهمّة. كما أعلنت أنّه "خلال عشاء العمل مع الرئيس الفرنسي، من المقرّر أن يتبادل الرئيسان الآراء حول الأزمة السورية الخطيرة ونتائجها المقلقة على المنطقة، حيث من المفترض أن يجدّد هولاند تأكيد الاهمّية التي توليها فرنسا للاستقرار والأمن في لبنان في ظلّ الازمة السورية، كما سيجدّد دعم فرنسا لمبادرة سليمان المتعلقة بالحوار الوطني في لبنان".وسيؤكّد أيضاً دعم فرنسا لمهمّة قوات "اليونيفيل".
فاليرو
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو اعتبر أنّ زيارة سليمان الى فرنسا "مهمّة جداً وستعيد تأكيد علاقة الصداقة التي تربط فرنسا ولبنان". مؤكّدا التزام بلاده "استقرار لبنان وأمنه وسيادته على أراضيه ولا سيّما في ضوء ما يحصل في المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "لبنان تعرّض لحوادث أمنية دانتها فرنسا بشدّة"، وناصحاً "اللبنانيين بعدم الوقوع ضحيّة أزمة ليست أزمتهم".
وقالت مصادر مُطلعة إنّ جدول أعمال لقاء سليمان ـ هولاند يتركّز على نقاط عدّة أبرزها القراءة اللبنانية والفرنسية للوضع في المنطقة، في ضوء التطوّرات المتسارعة على الساحة السورية وتردّداتها على الساحة اللبنانية. وسيشرح الرئيس الفرنسي الظروف التي رافقت مؤتمر باريس لأصدقاء سوريا، فيما سيشرح سليمان الأسباب الموجبة لاعتماد سياسة النأي بالنفس تجاه الأزمة السورية وكلّ ملف يتسبّب بالشقاق في لبنان، وهي سياسة اعتمدت منذ أن طرح الملف الإيراني على مجلس الأمن الدولي ايّام كان فيها لبنان عضواً ممثلاً للمجموعة العربية فيه.
وقال أحد أعضاء الوفد اللبناني إنّ شقّاً عسكريّاً مهمّاً ستتناوله المحادثات بوجهيه المتصل بملف اليونيفيل والوضع في منطقة انتشارها، ودور القوّة الفرنسية، كما بالنسبة الى المساعدات العسكرية الفرنسية للجيش وفي مقدّمها تزويد المروحيات الفرنسية الـ 16 التي وهبتها الإمارات العربية المتحدة الى لبنان بالأنظمة التي تدير وتوجّه استخدام حمولتها من الصواريخ.
تجدر الإشارة الى أنّ سليمان سيذكّر الرئيس الفرنسي بالمبادرة التي قام بها سَلفه الرئيس نيكولا ساركوزي بزيارته لبنان في 2 نيسان 2008 بعد سبعة أيّام على انتخابه رئيساً للجمهورية في 25 أيّار من العام نفسه مصطحباً معه رئيس حكومته ووفداً وزاريّاً فرنسيّاً كبيراً، وهو أمر لم يحصل من قبل أن يترك الرئيس الفرنسي ورئيس حكومته بلاده سويّا.
إقرار الموازنة
إلى ذلك، وبعدما تحرّرت من كلّ المواد الخلافية، وترجمةً للاتّفاق الذي تمّ بين المعارضة والأكثرية على هامش الجلسة التشريعية التي حصلت في 2 تموز، والتي التزمت بموجبها الحكومة أن تقدّم الموازنة العامة قبل نهاية الشهر لعودة انتظام المسار المالي في البلاد، أبصرت موازنة حكومة ميقاتي النور، وأحال مجلس الوزراء في جلسته المطوّلة التي انعقدت في السراي أمس، مشروع الموازنة إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، بعدما أقرّها محرّرة من الضرائب.
وأشار ميقاتي إلى أنّ مواضيع سلسلة الرتب والرواتب وموضوع الخطّة التمويلية للجيش البناني لفترة 4 سنوات بمبلغ حوالى 3 الآف مليار ليرة، إضافة إلى الخطّة الاستشفائية العامة، ستُدرس من خارج الموازنة، لنحدّد من أين يمكن تأمين الواردات اللازمة لهذه النفقات، على أن تُرسَل في مشاريع قوانين منفصلة إلى مجلس النواب"، واعداً بأن يحدث هذا الأمر بالسرعة المطلوبة.
وأوضح أنّه "ألغينا الكثير من الأمور من مشروع الموازنة، خصوصاً الأمور الضرائبية، وعالجنا المواضيع بالنسبة إلى العجز"، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ "بعض الضرائب التي وُضعت في الموازنة ليس لها أثر كبير في حياة المواطن، وهي ضرورية لأنّ لا نفقات من دون واردات"، لافتاً إلى أنّ في الموازنة "مشاريع استثمارية تمّ الحفاظ عليها، ما تطلّب بعض الرسوم الإضافية لتغطية العجز".
وحول موضوع "داتا" الاتّصالات التي تطلبها الأجهزة الأمنية، قال ميقاتي: "لقد حصل اجتماع بين الهيئة القضائية (المختصة بتحديد الداتا الممكن تسليمها) والقادة الأمنيين، وخرجوا من الاجتماع باتّفاق، والأمنيون وصلت إليهم المعلومات التي يريدونها.
ملفّ الحدود والأمن
وفي الملف الأمني، تسارعت التحضيرات من أجل تشكيل القوة الأمنية من الجيش اللبناني التي ستتسلّم مهام الأمن على الحدود اللبنانية – السورية الشمالية والشمالية – الشرقية الى جانب فوج الحدود والقوّة الأمنية المشتركة من أجل منع عمليات التهريب والتسلّل الى الأراضي السورية وبالعكس، في محاولة جدّية لمنع الخروقات السورية والتوغلات التي تجدّدت أمس في سهل القاع وخطف راعٍ كان موجوداً في المنطقة، تزامناً مع تجدّد عمليات القنص على القرى اللبنانية المواجهة فيما نقل أحد اللبنانيين جريحاً من بلدة حويك السورية الى إحدى مستشفيات الهرمل مصاباً بجروح مختلفة.
وقالت مصادر أمنية إنّ خطة الانتشار لن تقف عند نقاط الحدود، وستكون للجيش مواقع إضافية في الخطوط الخلفية للحدود لتشكّل قوّة دعم وخطّ سياجٍ ثانياً للحدود لضمان وقف عمليات التسلّل الى سوريا وبالعكس.
لقاء القادة الأمنيين اليوم
في سياق آخر، علمت "الجمهورية" أنّ اللقاء النصف الشهري لقادة الأجهزة الأمنية سيُعقد بعد ظهر اليوم في مقرّ المديرية العامة للأمن العام في بيروت للبحث في المستجدّات الأمنية وسبل تعزيز التعاون بين مختلف الأجهزة والقوى الأمنية. وسيحضر إلى جانب المضيف اللواء عباس ابراهيم، المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، ممثل عن قائد الجيش العماد جان قهوجي، وممثل عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الموجود حتى نهاية الأسبوع الجاري في إسبانيا للمشاركة في مؤتمر أمني دولي.
الأزمة السورية
وعلى وقع وعد أميركي بالعمل خلال اجتماع مجلس الأمن على إصدار قرار دولي يُشدّد الضغوط على السلطات السورية، بما فيها إجراءات تحت الفصل السابع، انعقد مجلس الأمن وبين يدي أعضائه مشروع قرار روسي جديد بتمديد مهمة بعثة المراقبين الدوليين في سوريا لمدّة ثلاثة أشهر أخرى، لم يرق لفرنسا كونه "لا يرقى إلى مستوى تطلّعات أكثرية دول الأسرة الدولية. واستمع المجلس الى المبعوث الأممي العربي كوفي أنان وهو يعرض تقريره حول الأوضاع في سوريا ومهمة البعثة الدولية.
في هذا الوقت، لم تتمكّن المعارضة السورية من إقناع موسكو بتغيير موقفها من الأزمة السورية، ووقف دعم النظام السوري، على رغم إبلاغها إلى المسؤولين الروس أنّ أيّ حلّ بمعزل عن رحيل نظام الأسد لا معنى له"، وأنّ دعم موسكو له يسمح باستمرار العنف.
وردّت روسيا بالإعلان عن أنّها ستواصل تسليم سوريا أنظمة مضادّات جوية، وبدعوة الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة إلى بدء حوار يتيح للسوريين تقرير مصيرهم بأنفسهم.
وأعلن أنان أنّ "الحكومتين في العراق وإيران التزمتا بدعم خطّة النقاط الستّ وطلبتا بأن يُسمَح للسوريين تقرير مستقبلهم السياسي، ومن الواضح أنّهما ستضغطان بشأن تنفيذ الخطة". وأشار الى أنّ "هناك مشروع قرار روسي مُقترح حول تمديد عمل بعثة المراقبين مطروحاً على مجلس الأمن، كما أعلن السفير البريطاني أنّ بلاده إلى جانب أميركا وفرنسا ستقدّم قراراً من جانبها، والقرار متروك لمجلس الأمن".
وأكّد أنّه "حتى الآن لم ننجح في وقف العنف، ونحثّ كل الحكومات للضغط على الاطراف كافّة ودعم جهود الوساطة لتحقيق الهدف الذي نتشارك به"، كاشفاً أنّه بحث مع الرئيس السوري بشار الأسد في مسألة تعيين مفاوض عنه، وأنّ الأسد عرض عليه اسماً و"طلبت معرفة المزيد عن هذا الشخص".  

السابق
الأخبار : نصر الله: عون حليفنا الثابت
التالي
الحياة: ميقاتي اعلن اضافة رسوم لا تأثير كبيرا لها على المعيشة