ما كان مجلس الوزراء أميناً ولا صادقاً

ما كان مجلس الوزراء الذي تمكّن أخيراً من الانعقاد بعد تفكك، أميناً لمهماته ولا صادقاً مع مواطنيه. وأنا لا أتحدث عن المسائل الاقتصادية والمعيشية ومشكلات الكهرباء والأجور والموازنة… إلخ، فهذه كلها صارت حديث النّاس في لبنان والخارج. لكنني أتحدث بالتحديد عن ثلاث مسائل: الوضع على الحدود مع سوريا، وإطلاق سراح الذين أمروا بقتل الشيخين عبد الواحد ومرعب، وكتم داتا الاتصالات التي يمكن الاستعانة بها على كشف الجناة في محاولات الاغتيال!.

في المسألة الأولى طلب مجلس الوزراء العظيم، بعد مضي خمسة عشر شهراً على اختراقات العسكر السوري للحدود، ومقتل خمسة عشر لبنانياً برصاصه: طلب أو أمر بنشر الجيش على الحدود! فأين كان الجيش قبل نشره، ولماذا لم ينتشر من قبل قياماً بمهامه الأصلية، ولماذا يكون بوسعه ان يقتل شيخين على حاجز له، ولا يستطيع إطلاق النار على الذين يقتلون مواطنين لبنانيين على مرأى ومسمع منه؟! قائد الجيش سبق له أن قال في مجالسه للسائلين والمتسائلين إن العسكريين متوترون ولذلك أطلقوا النار على الشيخين، فلماذا ما توتّروا لقتل النّاس، وتخريب ممتلكاتهم واغتيالهم في منازلهم بوادي خالد وبعرسال؟! وإذا كانت المسألة كما يقول أشاوس 8 آذار إن هؤلاء المواطنين (وبينهم نساء وأطفال) يُهرّبون السلاح إلى سوريا، فلماذا لم يمنعهم الجيش، ويسجنهم، ويحفظ أمن الحدود من الجانبين بمقتضى «التنسيق» الجاري بينه وبين أجهزة النظام السوري؟! لقد تحدث الجيش، وتحدث مدير الأمن العام عن التنسيق المذكور، فماذا هو موضوع التنسيق؟ هل هو تسلل «القاعدة» إلى لبنان من سوريا، كما زعم الجعفري ووزير الدفاع اللبناني؟ أم هو تبادل المعلومات لحفظ أمن النظام السوري، وتمكينه من ملاحقة المواطنين اللبنانيين بداخل الحدود اللبنانية؟! وهناك من يتحدث - يا تعتيري! - عن «رفع» الغطاء عمن يتحدّون نشر الجيش: فمن الذين كانوا يتجرأون على أن يكونوا غطاء في حكومة ميقاتي؟ جبران باسيل أم محمد فنيش أم علي حسن خليل؟! أم هم ممثلو «السنّة» في الحكومة والذين كانوا يقفون مع «المسلحين» الذين يتحدون الجيش الحامي للحدود والمواطنين؟ فبالله عليكم وعلينا هل اذا اعترض «السنّة» الخمسة من طرابلس على شيء أو أمر سيكون لاعتراضهم تأثير؟ ثم لماذا يعترضون وهم يدينون بمناصبهم لحزب الله والرئيس بري، ورئيس الوزراء العظيم؟!.

قرار مجلس الوزراء بنشر الجيش على الحدود لا قيمة له إلا مثل قيمة قرارات نشره عشرات المرات في طرابلس. وإن لم تصدّقوا فراقبوا ما الذي سوف يجري في الأيام المقبلة، والتي ستشهد تقتيلاً متزايداً للبنانيين والسوريين على الحدود من جانب الأجهزة في البلدين!.
وقد حاولت صحف - منها «اللواء» - الإشادة بقرار المجلس التوسّع في التحقيق بشأن مقتل الشيخين باشراف مدعي عام التمييز، وهذا عيب ويستحق الإدانة. فالمحكمة العسكرية هي للفصل في النزاعات بين العسكريين، وما يتناول أمن الدولة. لكنها وبغض النظر عن تفاصيل القانون، لا تستطيع – كما ثبت بالدليل القاطع خلال السنوات الماضية – تأمين العدالة لمواطنين مقتولين حتى لو كانوا من العسكريين، إذا كان ذلك مما يُزعج قوى الأمر الواقع! فأكثر العسكريين والأمنيين الذين قتلوا أثناء القيام بواجبهم ما جرت محاكمة قتلتهم، والذين حوكموا – حتى بتهمة التعامل مع العدو – غادروا السجون منذ مُـدّة. ولذا فإن مطالبة قوى 14 آذار بارسال القضية إلى المجلس العدلي تحقّق عدة أغراض وطنية: طمأنة أهالي المقتولين الى مراعاة شروط العدالة، ومنع التصادم بين الجيش والناس بعكار حيث يكون الجيش حاكماً وحَكماً، واحترام مشاعر المسلمين ومقاماتهم بالتساوي أمام القانون، وليس الزعم بأن هذه الجريمة ليست جريمة أمن دولة، وتلك جريمة أمن دولة! ثم إنك يا ميقاتي لو عرضت هذا الأمر على مجلس الوزراء قبل شهر، لكنت منعت التوتر والتوتير حتى لو اعترض المجلس العظيم، لأن المسألة عندئذ تصبح بين النّاس والحكومة، وليس بين الناس والجيش! لكن ماذا نقول؟ إذ ما عُدنا نعرف هل الاختلال الحاصل عندك هو اختلال في السياسة أم في الأخلاق أم في الاستقلالية، أم الأمور الثلاثة معاً؟ ألم يُرعبك يا ابن طرابلس والشمال أن تكون التهمة التي وجهتها النيابية العامة العسكرية إلى القتلة هي استعمال العنف بما يتجاوز الحد أو القصد: وماذا يكون «القصد» غير القتل إذا كانت في جسد الشيخين أكثر من ثلاثين رصاصة ومن مسافة قريبة جداً؟!.

ولا تزال طاحونة الجدال دائرة بشأن داتا الاتصالات وملفها الخالد! تصوروا أن معارضة العونيين وحزب الله لإعطاء الأجهزة الأمنية – بإشراف القضاء بالطبع – حق الاطلاع على الداتا سببه الأوحد الحرص على حريات المواطنين وخصوصياتهم! ومَن هو الحريص؟ الحزب الذي احتل بيروت، وعطّل مجلسي النواب والوزراء لحوالى العامين! وهكذا فلا معنى لحجب الداتا هذه غير أن الجهات المانعة هي التي تمارس الاغتيالات أو أنها تعرف القائمين بالاغتيالات وتريد حمايتهم! وتصوروا أن هؤلاء جميعاً «قابعون» في مجلس الوزراء المكلف بإدارة الشأن العام، وصون أمن المواطنين:و محترس من مثله وهو حارس! ثم يأتي الميقاتي قبل ذهابه إلى المانيا وبعدها، ليُظهر حرصاً على أمن بطرس حرب، ولو حصل ما لا تُحمد عقباه لا سمح الله، لسارع إلى التعزية بوفاته:
لأُلفينّكَ بعدَ الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدْتَني زادا
الرئيس ميقاتي هو بين إحدى حالتين: إما الاستتباع أو العجز، والاستتباع على أي حال عجز أيضاً! وفي الحالتين يكون عليه المغادرة إلى غير رجعة بالاستقالة أو بغيرها. وإذا لم تستح فاصنع ما شئت!.  

السابق
تفاهم أميركي ـ فرنسي على ضرورة حماية لبنان
التالي
أرملة عرفات تعتزم رفع دعوى في فرنسا للتحقيق بوفاته