كيف بات للسلاح أوجه أخرى ؟

 لا شك أن سلاح المقاومة في لبنان هو سلاح مقدس، لا يجوز بأي حال من الأحوال التجريح فيه أو التعرض له بسوء، هذا السلاح جيء به لدحر العدو الصهيوني عن أرضنا المحتلة، فلا يجوز إلا أن نساند كل من يحمله.
حقق المقاومون في جنوب لبنان ما لم تحققه الأمة العربية مجتمعة، وألحقوا بالعدو الصهيوني هزيمة نكراء، جعلتنا نفتخر حين نذكر امام باقي العرب بأننا لبنانيون حاربنا عنهم ورفعنا رأسنا ورأسهم وحققنا أمجاداً للجميع على حساب بلدنا وعمرنا وحياتنا وأحبابنا وأطفالنا في الجنوب اللبناني. هذا السلاح مقدس، حين توجه فوهات بنادقه ومدافعه الى صدور العدو، حين يُطلق المقاوم رصاصاته في وجه محتل اغتصب أرض الوطن ودنس ترابه.

لكن … بات للسلاح أوجه أخرى للآسف، خاصة حين دخل "حزب الله" عالم السياسة الداخلية، وبات لاعبا أساسيا يتحكم بمفاصل الدولة، الا أنه لم يضف نجاحا ذو علامة فارقة في العمل السياسي كما فعل على الجبهة ضد العدو الحقيقي، لا بل كرس مفاهيم جديدة قسم بها لبنان واللبنانين وصنّف مواطنيه بين مواطن شريف وآخر عميل، وتحولت البنادق التي كانت موجه للعدو الى صدور بعض اللبنانيين، لإختلافهم بالرأي السياسي وليُصنفهم بالعملاء كتهمة سياسية خلقت فراغا قاتل بين فرقاء السياسة، وخلقت تعصباً أعمى أصاب الصغير قبل الكبير.

فكيف لمقاوم رفع السلاح في وجه عدونا التاريخي و إنتصر عليه، أن يرفع سلاحه في وجه أخيه اللبناني؟؟ وكيف لمقاوم أن يتهم أخيه اللبناني الذي سانده وقت المحن بأنه عميل؟ هل هذا هو السلاح الذي دافعنا عنه؟ هل هذا هو السلاح الذي دفع أحبابنا أعمارهم في سبيل حفظه وصونه؟ هذا عدى عن استخدام السلاح كعنصر قوة لإرهاب باقي القوى السياسية في البلد، هل أصبح هذا هو دور السلاح بعد أن كان دوره حماية الوطن كل الوطن من أي اعتداء خارجي؟ في هذه الحالة ينتقل السلاح من خانة القداسة الى خانة الدهاليز الضيقة والمصالح الطائفية ليفقد معنى وجوده المقدس ويفسح المجال بإنتقاده ليس كرهاً إنما غيرة على دوره الأساسي الغائب منذ زمن، هذه التصرفات تُشعر الأخر في هذا الوطن أنه مغبون ومسلوب الحقوق، أو تُشعره بأنه مواطن درجة ثانية، كما انه من الواضح ان لدى "حزب الله" اليوم مسارب كثيرة لتهريب السلاح عبر بعض كوادره الفاسدين لكل من يرغب بحمل السلاح من المواطنين الفاسدين أيضا، فظاهرة الإشكالات الفردية والتي تتطور الى حربا حقيقية بين الأحياء والمدن اللبنانية يذهب ضحيتها أبرياء سرعان ما ينتسون في وطن لا مكان فيه للمظلوم.
إن للمقاومة معنى أساسي هو مقاومة العدو, حين ينتهي هذا المعنى تنتهي المقاومة معه, تماما كالسياسي الذي يتوقف عن ممارسة اللعبة السياسية اليومية فينتهي معها, لأن حركات المقاومة عبر التاريخ لم تنشىء الا لوجود عدو خارجي اعتدى على الأرض والعرض, ولا نرى اليوم أي من حركات المقاومة تلك لأنها إنتهت مع زوال عدوها عنها. اليوم نحن في معضلة في لبنان حيث اندحر الإحتلال عن جزء كبير من الأراضي اللبنانية ونتفهم المقاومة حين تقول ان العدو ممكن أن يعتدي علينا فى أي لحظة, لكن السؤال كيف لنا أن نطيق حمل هذا السلاح في ظل التفلت في الداخل ؟ وهل يجوز البقاء على هذه الحالة سنين وسنين ؟

إن لكل مرحلة لها طريقتها, ومرحلة الإحتلال والعمل المقاوم المباشر إنتهت مع اندحار العدو, حتى في المناطق التي مازالت محتلة أيضا إنتهت بفعل التأثيرات الداخلية والخارجية, فلابد للمقاومة وباقي الفرقاء اللبنانيين أن يناقشوا مشروعا مقاوما جديدا يتناسب والمرحلة التي نعيش ويتناسب ووضعنا الداخلي لكي نحفظ أرضنا ومقاومتنا وجيشنا وشعبنا من أي تآكل قد يصيب هذه القضية مع الزمن.
من المهم ان تلتفت قيادة حزب الله الى مشاعر كل اللبنانيين بعيدا عن التخوين والعمالة أو الشرف والشهامة, إن للسلاح هذه الأيام تأثير كبير على الشارع اللبناني خاصة حين يستخدم في غير محله, فلتعيد المقاومة حساباتها ولتضع يدها على كل السلاح المنتشر بين مناصرينها, لتحد قليلا من التشبيح الحاصل على باقي المواطنين وللحد من العنف الواقع على أهل الضاحية قبل غيرها من المناطق. السكوت لا يحمي المقاومة ولا سلاحها الشرعي على الحدود, بل يساعد الفساد المستشري على الإنتشار أكثر فأكثر, وليفصل حزب الله بين السياسة الداخلية والسلاح الذي بحوذته حتى يستطيع أن يتعاطى مع باقي الفرقاء بمنطق المساواة في الوطن.  

السابق
سر خصوبتها في مشيتها!
التالي
أنان لا يُلام