أمن حزب الله وأمن لبنان

لا فارق كبيراً بين موقفي الدولة بمؤسساتها السياسية والامنية، والمواطن اللبناني العادي. الجميع في حيرة وخوف وتشوش ازاء التطورات. أما غياب الوضوح فمردّه الى الانكشاف اللبناني، بالاحرى انكشاف العجز، بسبب الاعتماد المزمن على أمن مستورد، أو على تنسيق أمني غير متكافئ، او على تعدد حالات الامن بالتوافق.
فالجهات الحقيقية التي كانت، ولا تزال، تدير الأمن وتتحكم به وتوجهه وفقا لمصالحها، لم تعد تتمتع بالفاعلية ذاتها، لا في سوريا ولا في لبنان. فهي منشغلة بأوضاعها ومستقبلها ومصيرها. ومهما بالغت في المكابرة لا تستطيع تجاوز تدهور احوالها في سوريا، أو تخطي مشاعر عدم اليقين التي تهيمن عليها في لبنان. ولا يمكن القول إن أجهزة سوريا و"حزب الله" تلتقي حاليا، كما كانت، على الموجة نفسها. هناك توافق وتماه حول ما يجب عمله داخل سوريا. فالايرانيون يشاركون ويشركون "حزب الله" في المهمات التي تدعم النظام السوري، لكنهم و"حزب الله" ينظرون الى لبنان من زاوية مختلفة تميز بين نزوات دمشق النظام وبين مصالحهم طالما إنهم يديرون الشأن اللبناني امنيا وحكوميا وهاجسهم الاول تعزيز شبكة الامان التي يحتاج اليها "حزب الله" وسلاحه ووظيفته.

لا شك في ان الخسائر التي يحققها النظام السوري فيما هو يظن انه يقتل ويدمر ليبقى، تلك الخسائر بدأت تدفع به الى تخريب الوضع اللبناني، مستخدما الحكومة التي نصّبها والاجهزة التي اخترقها والحلفاء الذين سيتضاءلون بزواله. لكن التخريب يلحق اضراراً فادحة بحليفه الأول، اي "حزب الله"، الذي لم يتأخر في تلبية كل ما طلبه النظام سواء بملاحقة معارضيه وجعل لبنان ارضا معادية لهم او بترهيب خصومه اللبنانيين او بتأمين ما أمكن من اجزاء الحدود منعا لتسرّب الاسلحة او حتى بمضايقة النازحين. اما ان يشتعل لبنان ويدخل في اتون حرب اهلية، فهذا ما لا يتوافق مع تصور "حزب الله" لمصالحه. لكن هذا التمايز لا يبلغ درجة منع الاعتداءات السورية عبر الحدود، حتى لو ادت الى سقوط مدنيين لبنانيين ابرياء، ولا يصل الى حد منع حلفاء سوريا الآخرين من تنفيذ ما يطلب منهم، ولا يذهب ايضا الى تحرير حركة الاتصالات (الداتا) لكشف مجرمين.

لعل انفضاح لائحة الاغتيالات، او على الاقل وجود خطط للاغتيال، يعكس تعارض المصالح الذي اشرنا اليه. ومنذ عملية اغتيال رفيق الحريري وما تبعها من اغتيالات، وحتى ما سبقها، وبعد ما تكشّف من تفاصيلها، بات معلوما ان سوريا لا يمكن ان تنفذ اي عملية من دون علم "حزب الله" واجهزته او من دون المشاركة والتسهيلات التي يمكن ان يقدمها. وبعد المحاولتين ضد بطرس حرب وسمير جعجع، وما يمكن ان يتبعهما، كان صمت "حزب الله" مشتبها فيه، فاذا لم يكن على علم فهذا خطر عليه، واذا كان يعرف فهل فعل او يفعل شيئا لتجنيب البلد فتنة لا تفيده؟ لا يمكن تطويع الدولة والمجتمع لمصلحة امن "حزب الله" وان لا يكون امن الحزب في المقابل مساهما في توطيد أمن الدولة.  

السابق
رسالة إلى الغرب
التالي
سوريا والخطأ الليبي