في النشيج العوني


يتباكى النائب ميشال عون على الجيش اللبناني وهيبته.. ومن يسمع ذلك النشيج الرنّان يظن انه استفاق حقاً وأخيراً من غيبوبته السياسية التي أخذته إلى تحالف يقدّس كل سلاح إلا سلاح الجيش. لكن من ينصت أكثر، ومن دون جهد حسّي استثنائي، ينتبه على ان الجنرال السابق لا يتورّع فعلياً عن استخدام كل شيء وأي شيء بما فيه المؤسسة العسكرية نفسها، في معاركه واصطفافاته.
والجيش ليس أي شيء. إنه عمود البلاد ومدماك سيادتها وسلطتها وسرّ شرعيتها. والمعنى الأخير لطبيعتها ولكيانها. والمرآة العاكسة لروحها واندماجها. والمثال الضدّ لكل مشاريع تفتيتها وتطيّفها ومذهبتها وتشظيتها. وهو فوق ذلك، الملجأ الأخير الذي يركن إليه كل متطلع إلى إبقاء الدولة ساعية تُرزق، ولاعتبارها الحل الطبيعي والمشرّف لكل أزمات المشاريع الخاصة وبلاياها وطموحاتها المكسّرة وويلاتها المنكوبة!
هذا الجيش، يعتبره مسيو عون في هذه الأيام أداة متممة لعدّته السياسية التي يقاتل بها في سياق اصطفافه الذاهب إلى النهاية في لعبة النكاية، وفي نظرية (أو مصيبة) حلف الأقليات الضابّ تحت جناحيه مروحة تمتد من بشار الأسد ونظامه إلى أحمدي نجاد وجمهوريته مروراً بحواشٍ تنظيمية كئيبة يُراد لسائر خلق الله، ان يظنوا ويصدّقوا انها تمثل فعلاً وقيمة وإرادة وقراراً، المسيحيين العرب وغيرهم، فيما الواقع أعند من تلك المحاولات ومن أصحابها وحساباتهم وسياساتهم العابرة!
ولا يتورع بطريقة فيها رخص مألوف، عن الصراخ باسم الجيش ضد أهل الجيش في عكار. مفترضاً من جديد (وتلك عادة سيئة مون جنرال)، ان الذاكرة العامة أسقطت من خزنتها، مواقفه إزاء حادثة الشهيد الطيّار سامر حنّا، ابن المؤسسة العسكرية الذي قضى بسلاح حلفائه، ومواقفه قبل ذلك من استهداف الجيش وضبّاطه وجنوده في حوادث مار مخايل التي مهّدت من بين تمهيدات أخرى، لـ 7 أيار و11 أيار. كما أسقطت أساساً قبوله الانخراط في حلف يستند أولاً وأخيراً إلى سلاح ينهي، أياً كانت مهماته ووظائفه وشعاراته، حصرية امتلاك الدولة وأدواتها ومؤسساتها له.
لا شيء يفاجئ في ذلك الأداء، لكن لا حدود معلومة لتهافت صاحبه ودأبه على تكسير مسلّمات عامة إذا كانت خارج هواه السياسي. فعلها مع أرقى المواقع، من البطريركية المارونية إلى رئاسة الجمهورية إلى الجيش نفسه، والآن يكرّر فعلته. يستفزّ ويكبّر الكلام بدلاً من أن يفعل العكس تماماً ويرعوي ولو لمرّة واحدة، وينتبه على أن الجيش ليس فرقة في تنظيمه ولا جزءاً من عدّته السياسية، وان أهالي عكار الذين يدّعي انه يعرفهم جيداً، ليسوا في وارد الخروج من جلودهم اللبنانية والوطنية، ولا في وارد الخصومة والعداء مع مؤسستهم العسكرية المركزية.. وان الدم في آخر المطاف، أثقل بكثير من الرعونة الطيّارة والانتهازية المريضة! 
 

السابق
عباس يسقط في كل حفرة
التالي
سطو مسلح على بنك بيبلوس في الشويفات وسقوط جريحين