المدرج يتفرج!

عند بداياتي الصحافية قال لي أحد أصحاب التجربة، والخبرة، إنه عندما يصفق لك المؤدلجون، أو «الهتّيفة»، إسلاميين أو ليبراليين، فتأكد أنك في خطر، فالأصح أن تجد هجوما كاسحا منهم، لأن منطقتنا لم تتعود الرأي الصادم، أو الرؤية العقلانية!

اليوم، أتذكر هذه النصيحة وأنا أقرأ، أو أتأمل، العمل الإعلامي لمن صنعوا اسمهم الإعلامي كليبراليين، أو متلبرلين، كما قال زميلنا «الثقيل» يوسف الديني، حين صرخ مؤخرا: «أيها المتلبرل.. أخرج الإخواني الذي في داخلك»، فالإشكالية التي تعتري منطقتنا مؤخرا، أو تحديدا منذ ما يسمى الربيع العربي، أن بعض الإعلاميين، أو المثقفين العرب، قد استمرأوا الشعبوية، ومجاراة الشارع، وعلى حساب قناعاتهم، أو الحقائق أمامهم، متناسين أن على المدرج أن يتفرج، فليس من المعقول أن يقوم مدرب كرة قدم بالتغيير في الخطة، أو طريقة اللعب، أو التشكيلة، فقط وفقا لرغبات الجماهير، حيث إن على المدرج أن يتفرج. فماذا عن الخبرة، والمعرفة التراكمية، والحقائق، وبلغة كرة القدم، كيف يمكن تجاهل اللاعب ذي المهارات المميزة، مقابل اللاعب المصنوع ذي المهارات المصنوعة، أو اللاعب الذي يستطيع تطبيق خطة المدرب عن اللاعب الذي يرضي الجماهير!

وفي السياسة، القصة أكثر تعقيدا، وعمقا، فكيف يمكن أن تكون مع الغرب، مثلا، في احتلال العراق، وضد الشارع العربي، ثم فجاءة تكون مع الشارع العربي، وضد التاريخ، والحقائق، والوقائع، حين تشجع ما يسمى زورا الثورة البحرينية، أو تقف مع الإخوان المسلمين في مصر، وتطالب بمنحهم الفرصة، علما أنهم، أي الإخوان المسلمين، لم يمنحوا أحدا فرصة، وها هو اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكري المصري، يقول: «توقعنا الصدام مع (الإخوان)، ولكن ليس بهذه السرعة». فكيف تبني، أيها الإعلامي، والمثقف، تاريخك على أنك ضد الإسلاميين، ثم تقول: امنحوهم الفرصة «لأنها الديمقراطية»؟ فالديمقراطية جاءت بهتلر، ونوري المالكي عربيا، وأحمدي نجاد إيرانيا، فكيف يمكن بعد كل ذلك، التصديق بوضوح رؤية هؤلاء الناس؟ فليس كل ما يلمع في أعين الأميركيين في منطقتنا ذهبا، والسبب بسيط وهو أن على المدرج أن يتفرج.

فالإشكالية مع التبسيط، واختزال الأجندات السياسية، مثل أجندة الإخوان المسلمين، أنها تسطح الحقائق، والوقائع، فها هي الديمقراطية في العراق لم تجلب للعراقيين خيرا، كما أن الإخوانية في مصر لم تجلب للمصريين الاطمئنان، ناهيك عن أن التحركات في البحرين لم تكن إلا امتدادا للتحرك الإيراني في المنطقة، مثل ما كانت التحركات الإيرانية في لبنان. فالأهم هو كيف يكون المثقف، أو الإعلامي العربي، قادرا على فتح عين في لبنان أو اليمن، وإغلاق أخرى في البحرين أو العراق، والأمر نفسه في مصر، أو التبشير بأن عام 2012 هو عام المصاعب في الخليج العربي؟
فإما أن تكون الرؤية مشوهة أساسا، أو أن الإعلامي، أو ذلك المثقف أساسا لم يتنبه إلى أن على المدرج أن يتفرج، وأن أخطر ما يواجه المثقف هو أنه يضطرب عندما يصفق له الشارع!  

السابق
الطائفة المستأثِرة والطائفة المطمئنة
التالي
العلويون والثورة السورية