الطائفة المستأثِرة والطائفة المطمئنة

خشية أن يتطور الوضع السوري إلى ما هو أكثر سوءاً مما هو عليه، أو إذا جاز الافتراض يتلبنن وبذلك تنحسر الشرعية أو تنحسر هيبة مؤسساتها ويتلازم مع ذلك تبعثُر الجيش وتنشط الميليشيات بديلاً عنه، فإن مبادرة تجمع بين الوصفة اليمنية» وروحية الرؤية الدولية – العربية التي يتولاها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان، من شأنها أن تأخذ شكْل «مؤتمر طائف جديد» تقطع مداولاته وقراراته الطريق على أي حرب أهلية قد تبدأ.. هذا إذا كنا لا نجزم بأنها بدأت، وتصون سوريا من فواجع سنوات كتلك التي عاشها لبنان بين النصف الثاني من العام 1975 وحتى بزوغ تباشير التسوية من المملكة العربية السعودية وكيف أن الملك فهد بن عبد العزيز رحمة الله عليه واشقاءه وأخوانه وبالذات ولي عهده الذي بات الملك والأمير سلطان الذي بات ولي عهد أخيه خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز والأمير نايف الذي بات ولي العهد عل إثر وفاة شقيقه سلطان رحمة الله عليهما، والأمير سلمان بن عبد العزيز الذي اختاره الملك عبد الله ليكون خير خلف لخير سلفيْن شغلا ولاية العهد، كانوا على مدى شهر كامل في حال من المتابعة التي استهدفت تذليل العقبات إلى أن تلاقي الجمع المتنافر على كلمة سواء وبدأ لبنان المستعيد شرعيته يأخذ طريقه إلى الاستقرار، بعدما كان لا أمل يُرتجى من حدوث معجزة تنهي عقداً كاملاً من الاحتراب والتدمير الممنهج على نحو ما هو حاصل في بعض مناطق سوريا منذ سنة وأربعة أشهر، مع فارق أن الجيش في سوريا مرغَماً لا بطل هو من يخوض المواجهة المبغوضة وأن طول أمد هذه المواجهة لن يؤسس فقط إلى انفصال كوادر من وحدات عسكرية ومن ضباط وجنود عن المؤسسة العسكرية وإنما إلى أن تنشأ مع الوقت عدة «جيوش» من نوع «الجيش الحر» تماماً كما هي الحال في الوسط المدني حيث المعارضة الواحدة باتت معارَضات. وعندما سينتهي الأمر إلى أن الجيش بات عدة «جيوش» فإن لا أحد يمكن أن يشعر بالأمان وبالذات الطائفة العلوية التي يتردد أن الرئيس بشَّار الأسد يحتفظ بورقة استعمالها أو بالأحرى بالطلقة الاخيرة في حال وجد أن لا خيار أمامه، ذلك أن السند الروسي لن يعود ذلك السند وأن السند الايراني سينكفئ في هذه الحال وذلك على أساس أن الموقف الروسي يستمد تأثيره من انسجامه مع الموقف الايراني وأن هذا الأخير من دون الوقفة الروسية سيكون مخسوف الفاعلية بمعنى أن لا وجود لحليف دولي يشاركه الرأي في الموضوع السوري.

من خلال القراءة المتأنية لـ «مؤتمر أصدقاء سوريا» الذي استضافته باريس يوم الجمعة الماضي وكان إذا جاز الوصف «جمعة الإنتفاضة الدولية» حيث المشاركة فيه كانت 107 دول وهو رقم قابل للزيادة في الدورة المقبلة لـ «الأصدقاء» التي ستستضيفها المملكة المغربية، نرى أن الفرصة مؤاتية أمام التسوية السياسية ونرى استناداً إلى معطيات موضوعية عربية وإقليمية ودولية، أن توافقا على مؤتمر من نوعية «مؤتمر الطائف» الذي أنقذ لبنان من شأنه إنقاذ سوريا. وفي هذا المؤتمر لا يكون الحرص على الطائفة – العائلة وإنما على الطائفة – المحاصِصة. وعندما تتحقق للطائفة العلوية الضمانات العربية والإقليمية والدولية وتتحدد الحصة والمكانة، بموجب المحاصَصة على نحو ما حدده مؤتمر الطائف للمناصب الرئاسية في لبنان، فإن النظام الذي يقوده الرئيس بشَّار لا يعود في إستطاعته ممارسة ورقة الطائفة بمعنى زرْع الخشية في نفوس ابنائها بأن سلامتهم ومصالحهم ووجودهم مضمونة بإستمرار الطائفة – العائلة.

لقد دخلت المحنة السورية سِنتها الثانية، وليس في الأفق ما يشير إلى أن تعديلات جذرية سنراها في المشهد الذي يجمع بين القتل والتدمير والتبعثر. وحتى إذا كانت هنالك بارقة أمل على هامش الدورة المقبلة للجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول المقبل، فإن هذه البارقة سرعان ما ستتلاشى أمام عناد أهل الحكم السوري ومثابرة الأطياف المعارضة على التمسك بمطالبها.
وليس هنالك سوى تلك المحاولة المستنسَخة أو المستنبَطة من مؤتمر الطائف يأخذها الملك عبد الله بن عبد العزيز على عاتقه محافظاً بذلك على سوريا الوطن المتماسك والشعب المتعايش والطائفة المضمونة وفق تثبيت مبدأ المحاصصة بديلاً عن الطائفة – العائلة. كما انه بذلك يحفظ لبنان من ويلات قد تنشأ نتيجة ترْك الوضع السوري على ما هو عليه. وهنا يستوقفنا تذكير السفير علي عواض عسيري للجميع يوم الجمعة الماضي فيما مؤتمر باريس يعقد دورته الجديدة بـ «حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أمن لبنان وإستقراره ومصلحة شعبه الشقيق، والجهود التي يقوم بها الملك عبد الله في هذا المجال يعرفها القاصي والداني…».

ومثل هذا الحرص المشكور سيبقى عرضة للإنتكاس في حال لم تضع صيغة التسوية التي أشرنا إليها حداً، أو نهاية على ما نتمنى، للوضع السوري.
عسى ولعل نسمع ومن قبل أن ترتسم في سماء الأمتين معالم حلول الشهر الفضيل، ما يشير إلى أن أخواننا في سوريا أهل الحكم – العائلة سيصومون عن المواجهة التي لا جدوى منها وأن الطائفة العلوية وبقية أبناء الشعب في سوريا سيخْلدون إلى طمأنينة سعى إليها عبد الله بن عبد العزيز الذي يجزيه الله خيراً وصحة على ما يفعله للملكة وللأمتين.
 

السابق
شربل إن حكى… بكى
التالي
المدرج يتفرج!