ربيع الاغتيالات!

الإشارات المتدافعة والوقائع المتنقلة والمفاجآت السيئة، تشي بأن لبنان على لائحة التصفيات. لن يبقى شيء كما كان. الأمن يتنازل لسادة الشوارع وميليشيات الأزقة وعصابات الخطف ومناورات الكر والفر، بين سلفيي 14 آذار، والعناصر «الفالتة» بإرادة أصحابها في بعض 8 آذار… بلغت السياسة في لبنان مرتبة الانغلاق. لا مسام في جسده ليتنفس طبيعياً. بات يعيش تحت حصار الحاجة إلى العنف. فها هو قادم.
السياسات الفضلى هي الاتهام والتخوين والحذف. كل الطرق تؤدي إلى الالغاء. الأصوات المفخخة بالتهديدات وصلت إلى مقاصدها وسمعت: «قادة» لبنان و«زعماؤه» و«رموزه» مرشحة للاغتيال. سمير جعجع نجا منها، بطرس حرب كاد أن.. وقبل ذلك، وما بين المحاولتين، أسماء كثيرة كانت معلقة على المنصة، بانتظار الزناد أو الكاتم أو «الصاعق» أو «الحشوة». من هذه الأسماء، نبيه بري، فؤاد السنيورة، سامي الجميل، وليد جنبلاط، سعد الحريري. بري محصن ومختف. السنيورة محتاط، الجميل مقيد، جنبلاط في منطقة أمان مؤقتة، الحريري معتصم ببطاقة «وان واي»، أما الجنرال، ففي الرابية، وهو مطلوب كسواه.
إنه ربيع الاغتيالات.
من؟ كيف؟ لماذا؟ أسئلة معلقة. لا جواب أبداً. ليس بإمكان أحد ان يصل إلى الحقيقة. لا يمكن الاطمئنان إلى تحقيق أو مصدر أو عليم. ومع ذلك، فاللبنانيون يعرفون من يغتالهم: انه بكل بساطة خصمهم السياسي. انهم الأسرع في تدبيج الاتهام وإصدار الأحكام، مع وقف التنفيذ. لأن اليد قاصرة ولو كانت القلوب «مليانة». يتعاملون مع الاغتيالات السابقة والمحاولات الفاشلة بثأرية سافلة. أصبع الاتهام يشبه الاصبع الموضوع على الزناد. فلا حقيقة ولا محاسبة ولا محاكمة. ولا مرجعية تلجأ إليها ليعرف اللبناني من يقتل من ولماذا وكيف. الأدلة مغشوشة، الأمن مؤجر، العسكر مجيّر، والقضاء غب الطلب. والجميع، يسير وفق منطق المياومة السياسية، عند القادة المهددين بالاغتيال، يا لغرابة السياسة! يا لفداحة البلد!
أحداث الشهور الماضية، في ظل حكومة العجز، والقيادات العاجزة، والتحالفات المغشوشة، أدخلت لبنان في مرحلة التصفية العمومية، على كل شيء تقريبا. تصفية الإدارة (لا تعيينات ولا إصلاح) تصفية الكهرباء لمصلحة أصحاب المولدات وحماتهم من زعماء الطوائف السياسية، تصفية الموازنات والمحاسبة، تصفية الأرض اللبنانية، لمصلحة جمهوريات لبنانية، بأنصبة طائفية: الشمال بات جمهورية يحكمها الشارع، بأكثريته المذهبية، تقوم بدور ريف رديف لدمشق. الجنوب جمهورية من حصة مبرمة للشيعة بمهمات متعددة. الشوف في صدد طلب الحماية من الجارين المتنافسين، السني والشيعي. أما الجمهورية المسيحية، فتبحث في «لبنان الكبير» عن دور صغير، في ظل مارونية سياسية متصدعة بين أكثريتين تتنازعان على كل شيء، من يوم السقيفة إلى زمن لم يأت بعد.
في هذا المنحدر من عمر الكيان، قبل بلوغ آخر العمر للبلد، ليس يحضر من أسئلة ذات قيمة، غير سؤال الحياة، بمعناها الأولي فقط. السؤال بسيط، والجواب مجهول: هل سنبقى على قيد الحياة إذا حصل اغتيال بحجم قائد. في زمن تعسكرت فيه الطوائف وتميلشت؟ هل باستطاعة اللبناني الانتقال من بيته إلى عمله، من دون ان يرسم خريطة الأمان والنجاة من مناطق الاحتكاك المحتملة؟
فهم «اللبناني الحاف» ان بلده لا شفاء له. رؤوسه مريضة، ولكنها رابحة. الشقاق يزيدها تزعما. الخلاف يزيدها ارتهانا ودعماً من كل الأنواع: نفطا وغازاً و… سلاحاً… «اللبناني الحاف» بات متأكداً من ان كل محاولة إصلاح، ولو بسيطة (كالمياومين مثلا) قد تؤدي إلى حرق دواليب وقطع طرق… يسخر من كلام وردي عن مستقبل الجامعة، والضمان والتربية والبيئة وفرص العمل والسياحة والعدالة والقضاء… يسخر ويشتم كذلك.
و«اللبناني الحاف»، غير المضاف إلى طائفة أو مذهب، يعرف أن الاغتيالات من طبيعة البلد وطبيعة المرحلة. ويؤسفه أنه مباح للصدفة، وهو يعاني يوميا، الخطف والسرقة والقتل والنهب والترويع والاحتيال وكل أصناف التعذيب السياسي.
«اللبناني الحاف» يعرف كذلك، وبرغم هذا الخوف، أن لا خوف على لبنان، فساده يحميه. فساده ضروري لاستمراره. من دون الفساد، لا وجود لهذا الكيان.
وحتى الآن… لا بديل من الفساد. 
 

السابق
مكياج خاص في فصل الحرّ!
التالي
نظرة على واقع حركة الأسرى في سجون العدو