الفتنة.. من صيدا إلى عكار

   لا يمكن النظر الى بعض ما يجري على الساحة اللبنانية إلا في سياق محاولة إسقاط الدولة في لبنان عبر التطاول على مؤسساتها العسكرية، وهو الأمر الذي يبدو منسقاً بشكل جيد مع الإدارة الأميركية أوبالاحرى هي من تحفر له عميقاً عند بعض المكونات في لبنان ليكون مدخلا الى فوضى عارمة عناوينها متشعبة لكن هدفها واحد وهو اسقاط «المحور» الممانع وجبهته العصية في لبنان وسورية لاستحالة كسر الحلقة الإيرانية فيه.
ما بدأه أحد شيوخ السلفيين في صيدا في جنوب لبنان ولم يتم وضع حد له حتى الآن، كان قد بدأ في شماله ولم ينته إلا بتقديم الكثير من التنازلات التي توجت بتنازل في ما بات يعرف بـ (قضية شادي المولوي)، وها هي الأمور تعود لتستكمل من هناك عبر طلب المزيد من التنازلات تحت عناوين صارت أكثر تطرفاً وتعقيدأ وضع فيها «ورثة الأنبياء» في عكار كامل ثقلهم في كفة ميزان الضغط على الجيش والدولة بكل مستوياتها ما يفرض النظر الى أربع محطات اساسية يجب الربط بينها لاستنتاج الوجهة التي تتجه اليها الأمور.

أولاً: تحرك الشيخ السلفي في صيدا الذي بات يشكل تهديداً أو هو شكل ذلك منذ اللحظة الأولى لإطلالاته التي توّجت بواحدة عبر قناة تلفزيونية محلية أثار خلالها ذلك الشيخ جملة أمور استفزازية علنية وواضحة لم تحرك الجهات القضائية أو الامنية ساكناً تجاهها، وهي مسّت بالأمن القومي وعرّضت السلم الأهلي للخطر كما حضّت على الفتنة الطائفية وأثارت النعرات المذهبية، وكل ذلك منصوص عليه صراحة بالقوانين المرعية التي بقيت حبراً على ورق، بيد أن تصريحات ذاك الشيخ ما زالت تتردد من المكان الذي استولى عليه في الطريق العام المؤدي الى الجنوب قاطعاً طريقاً رئيساً متحدياً كل الدولة التي تملك كل القدرة والحق بموجب القوانين أن تزيله وتعتقله بموجب النصوص.

ثانياً: ومن منطقة صيدا أيضاً حيث رفع حزب «المستقبل» من وتيرة دعمه لتحرك الشيخ السلفي سياسياً من خلال عقده مهرجانا صيفيا في الهواء الطلق متفيئاً أشجار الصنوبر في مجدليون تحت عنوان «سنَة على عمر الحكومة» ليوجه انتقادات اليها مؤكداً على خطاب ذلك الشيخ حول سلاح المقاومة وحزب الله بعد أن كان ادعى وتداعى لاستنكار اسلوب قطاع الطرق من بلدية صيدا.

ثالثاً: التحرك الذي انطلق من الشمال أمس والمطالب التي رفعها شيوخ المنطقة ضد المحكمة العسكرية وما أصدرته من أحكام أخلت بموجبها سراح ضباط، فيما ابقت على عسكريين بعد تحقيقات اجرتها في حادثة تبادل إطلاق النار بين حاجز كانوا عليه وموكب الشيخ أحمد عبد الواحد ما أدى الى وفاته، الأمر الذي يستنتج منه أن ما يريده هؤلاء هو أن تصدر الأحكام وفقاً لما يرونه مناسباً والذي لم يكن ليؤدي اي حكم الغرض، لأن المطلوب في الحقيقة هو القبض الأمني من خلال فرض أمر واقع يفسح في المجال أمام حركة سلسة للمسلحين السوريين واللبنانيين الذي يقاتلون في سورية ضد الحكومة فيها، كما خلق مساحة واسعة وحرة لحركة السلاح في منطقة الشمال وجعلها ملاذاً آمناً لكل تحرك يصب في إطار الحرب ضد سورية وهو ما تم انجازه فعلاً بعد الآداء الضعيف الذي ابدته الحكومة اللبنانية منذ حادثة اعتقال المولوي وما تلاها من أحداث بين باب التبانة وجبل محسن وصولاً الى حادثة الشيخ عبد الواحد وتحجيم دور الجيش وحركته في تلك المنطقة.

رابعاً: لم يكن من باب الصدفة أن المرتين اللتين حدثت فيهما مثل تلك الأحداث المرتبطة والتي تؤدي الى تحقيق غاية المنطقة الآمنة في الشمال، وجود إشراف أميركي مباشر على التصعيد وعلى مستوى عال تمثل بزيارة عضو الكونغرس الأميركي جون ماكين مرتين خلال أقل من ستة اشهر بعد أن كانت تلك المنطقة شهدت سابقاً العديد من الزيارات الميدانية لوفود عسكرية اميركية وغربية عموماً درست طبيعة المنطقة وكل مكوناتها الطائفية.

تخالف هذه الزيارة لماكين كل ما يعلنه الأميركيون عن تمسكهم بلبنان واستقراره لأن عضو الكونغرس المبجّل لم يترك مجالا للشك بأن ما تريده إدارة بلاده من هذا البلد هو تطويعه لتحقيق اهداف تتجاوزه بكثير الى المنطقة وما نشأ فيها من محور ممانع انطلق منذ ما بعد الحرب التي خسرتها «إسرائيل» ضد حزب الله في لبنان عام 2006 في حين أن الأميركيين يرون في ما يجري في سورية فرصة حقيقية للانقضاض عليها والالتفاف على حزب الله في لبنان عبر استثارة المشاعر مذهبياً من دون الالتفات الى النتائج التي قد تترتب على ذلك خاصة إذا كان الهدف بمستوى اسقاط هذا الجزء من المحور ما يتيح إعادة فرض الشروط على الطاولة من جديد في اية تسوية من الممكن أن تحصل.

مصادر سياسية مواكبة لكل ما يجري على أرض الواقع تقول إن حسابات حقل أصحاب الظواهر المتنقلة من الجنوب الى الشمال مع ما يتحضر في بيروت لن تطابق حسابات البيدر الأميركي، فالدولة اللبنانية سيكون لها كلمة فصل حول ما يجري ولن يسمح باستهدافها وأجهزتها وعلى رأسها مؤسسة الجيش في حين أن أوراق المحور الممانع لم تلعب منها أية ورقة وأن ما هو مرسوم يقضي باستنفاد اوراق الخصم في لبنان وسورية وفي المؤتمرات التي تعقد في السر والعلن بهدف تغيير قواعد اللعبة.  

السابق
مقتل اثنين من الشيعة في السعودية خلال تظاهرة تندد باعتقال رجل دين
التالي
في العبث.. مجدداً