الحلقة الأخيرة: ضرب «التفاهم»

يكفي طي طرفي التصريحين الصادرين عن حمد بن جاسم وجون ماكين خلال اليومين الماضيين، لفهم ما يجري. فرئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها، والقائم فعلياً بوظيفة «المرشد الأعلى للثورة السورية»، أعلن أن المطلوب من المجتمع الدولي تحرك حاسم ضد الحكم في سوريا، من خارج مجلس الأمن، فيما كان السيناتور الأميركي يعلن من عندنا «أننا بحاجة إلى توفير منطقة آمنة للجيش الوطني السوري وللمقاومة السورية لكي تتمكن من تنظيم شؤونها وتتدرب وتعالج المصابين». ولم يكن ينقص هذا الموقف إلا محاولة التراجع عنه من منزل فؤاد السنيورة، ليصير مؤكداً ومصدقاً رسمياً، فالخبر الموزع عن استيضاح رئيس الحكومة الأسبق كلام ضيفه، وعن جواب الأخير بأنه لم يكن يقصد لبنان، يعني باللغة الدبلوماسية والصحافية، أن الوقت الذي استغرقه انتقال ماكين من معراب إلى بيروت كان كافياً لتنهال الاتصالات الهاتفية بين عواصم عدة، حاملة صراخاً وزعيقاً من نوع: «من كلف هذا المجنون إطلاق هذا الكلام؟؟ كيف تطلبون منا إعداد خطة سرية ثم ترسلون من يفضحها ويفضحنا في الإعلام؟؟»، فجاء الجواب: «حسناً، سنحاول تصحيح الخطأ، سنطلب منه لملمة هرائه، لكن لا تغيير في العملية المرسومة، تابعوا تنفيذ المطلوب منكم».
إلا… إلا إذا كان ماكين يقصد فعلاً بلداً آخر محاذياً لسوريا، غير لبنان. بمعنى أن يكون الرجل قد وصل إلى معراب أول من أمس، وطلب من مضيفيه فوراً فتح خريطة المشرق أمامه، ثم سأل: أين يمكنكم المساعدة على خلق منطقة آمنة كهذه؟ فأجابوه فوراً: مستحيل في لبنان، لا نقبل ولا نرضى مهما كانت إمكاناتنا، فحمل مسطرة دقيقة ثم راح يستعرض: العراق، علَّ ثمة فلولاً صدامية لا تزال ممكنة الاستخدام؟؟ أم تركيا، القائمة أصلاً بالواجب منذ عام ونصف العام من دون جميلنا ولا جميلكم؟؟ أم الأردن، الخبير بألاعيب الظلام استناداً إلى تجربتكم اللبنانية سنة 1975؟؟ أم… اسرائيل؟؟ بعدها خرج ماكين من الاجتماع ليعلن موقفه من معراب، والذي لا يقصد لبنان إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد…
مهزلة حقيقية كهذه تعني فعلاً أن الحرب صارت وشيكة. وفي لحظات كهذه بالذات، تكثر الهفوات والزلات، وذلك نتيجة نوعين من السلوك المريض: إما إحساس البعض من المشاركين، بدنو ما يعتقدونه نصراً قريباً، وتهافتهم المتسرع للاحتفال المسبق به، وإما نتيجة اندفاع البعض الآخر من المتفرجين، إلى التسجيل الإعلامي بأن لهم دوراً أساسياً في إعداد الحرب، إن كنتم لا تعرفون.
المهم أن المشهد كالآتي: مطلوب تحويل لبنان قاعدة عسكرية في المعركة الأخيرة والحاسمة ضد سوريا، علماً أن المعركة ضد سوريا نفسها، ليست غير حلقة في إطار الهجوم على إيران، فيما الهجوم على إيران ليس غير سياق عسكري ــ سياسي ــ اقتصادي معقّد، من الحرب الكبرى على روسيا والصين. الأزمة الدولية فعلياً بهذا الحجم. فمن سيسأل لاحقاً عن تفصيل بسيط حُرق في معركة فرعية، اسمه لبنان؟؟
لكن لهذا التفصيل، على صغره وهامشيته، أمر عملياته المرسوم بدقة. ولتنفيذه، لا بد من ضرب الدولة، خصوصاً مؤسساتها الرادعة. إذاً، تقويض الجيش خطوة أساسية. من يقدر على ذلك؟؟ عسكرياً مستحيل، فلنعتمد اللوثة المذهبية. جيئوا لنا بشخص أو مجموعة أشخاص، من لون مذهبي فاقع طبعاً، إذا كانوا يحملون صفة دينية أفضل بكثير، سلحوهم وموّلوهم، ثم أفلتوهم في منطقة مدروسة جغرافياً، ليعملوا طيلة أشهر على استفزاز الجيش وعناصره وحواجزه. الباقي لا تهتموا لتفاصيله، يأتي تلقائياً. فالسياسيون سيتولون حكماً لعب دور «صندوق الرنين» لترداد صدى أي حادث، خصوصاً عشية استحقاق نيابي يستعطون فيه الأصوات صوتاً صوتاً، فيما الإعلام يتكفل بالهواء والمباشر.
هكذا تبدأ الخطوة الأولى لشل الجيش. ماذا يبقى؟ طبعاً هناك حزب الله. قوّته العسكرية لا يستهان بها أيضاً، وهي قادرة على إجهاض المخطط، خصوصاً إذا ما التحمت مع الجيش، من جهة الهرمل وصولاً إلى الحدود. لا بد إذاً من إشغال «الحزب». الخطة بسيطة: استدرجوه إلى معركة داخلية مذهبية بكل الأساليب والوسائل الممكنة. خطاب مذهبي استفزازي. اتهامات يومية بجرائم. من سيسأل بعد الحرب الكبرى عن صاعق زرعناه هناك أو عن الفارق بين «مفك براغي» أو رأس نووي. ثم الباقي هنا أيضاً على بعض بيئة حزب الله. تكفي فوضى العشائر عنده لتساعدنا في الخطة، من حيث لا يريدون ولا يدرون…
كل التفاصيل باتت محكمة؟؟ ثمة تفصيل بسيط يجب التنبه إليه. التفاهم بين ميشال عون وحسن نصر الله. يجب عدم إغفاله، قد يخربط اشياء كثيرة. تماماً كما حصل بعد 2005 وبعد 2006. صحيح. لا بد من ذلك. حسناً. فكروا بضربه، لكن لا تتأخروا، فالأقسام الأخرى باتت منجزة، ولا يمكن تأخيرها. نفذوا فوراً.  

السابق
غزة: جدلية التهدئة والتصعيد
التالي
لبننة «حزب الله»