الجمهورية: المُستهدَف الحقيقي هو المجلس النيابي والدستور

تسارعت التطوّرات السياسية والأمنية في الساعات الأخيرة بشكل غير مسبوق وعلى أكثر من خط ومحور، وتوزّع الحراك الداخلي بين الحازمية ومعراب والمجلس النيابي وبعبدا وبكركي وعكّار، بعد إخلاء سبيل 3 ضبّاط و8 عناصر في قضية الشيخين أحمد عبد الواحد وحسين مرعب عبد الواحد، والإبقاء على 5 عناصر محتجزين. فيما لفتت زيارة السيناتور الأميركي جون ماكين إلى لبنان مؤكّداً الحاجة إلى منطقة آمنة للجيش السوري الحر، ومعبّراً عن الدعم الأميركي له.ففي الحازمية وفي خضمّ الشهر الأمني، أحبِطت محاولة اغتيال ثانية لأحد أركان ثورة الأرز بعد محاولة استهداف رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، والهدف هذه المرّة كان النائب بطرس حرب بأسلوب جديد في عملية الاغتيال، بوضع عبوة ناسفة في مصعد المبنى الذي يقطنه، وقد أثارت هذه المحاولة ردّات فعل شاجبة أبرزها من السفارة الأميركية في بيروت التي "دعت الحكومة اللبنانية إلى إجراء تحقيق بشكل دقيق في الحادث" وإلى "إلقاء القبض على من وردت أسماؤهم في القرار الظنّي لـ المحكمة الدولية"، كما استدعت اجتماعاً طارئاً لقوى 14 آذار حمّلت خلاله الحكومة المسؤولية عن محاولة اغتيال حرب وطالبتها بالاستقالة. وطالبت بإحالة جريمتي محاولتي اغتيال جعجع وحرب الى المحكمة الدولية، وحمّلت حزب الله والتيّار الوطني الحر مسؤولية عدم تسليم داتا الاتّصالات. وفي حين اعتبر الرئيس سعد الحريري "أنّها واحدة من أخطر الرسائل التي توجَّه إلى القيادات الوطنية الكبرى في لبنان"، حمّل جعجع الحكومة مسؤولية هذه المحاولة لأنّها منعت داتا الاتصالات عن الأجهزة الأمنية.

وكان حرب أعلن انّه تبلّغ من وزير الداخلية مروان شربل "أنّه كانت توافرت لدى الداخلية معلومات تقول إنّه قد يجري اغتيال بعض الشخصيات عبر استهدافها بمتفجّرات في مصاعد البنايات".

مرجع أمنيّ لـ"الجمهورية"

وانعكس إفشال محاولة الاغتيال أجواءً من الارتياح في الأوساط السياسية، باعتبار أنّ ما كان يُدبّر خطير للغاية لتزامنه مع أجواء التشنّج السائدة وسعي بعض القوى الى الدفع بالبلاد الى المزيد منها، وقطع الطريق على المساعي المبذولة لتطبيق إعلان بعبدا، وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق في اتّجاهات تصعيدية لاستيراد أزمة سوريا الى الساحة اللبنانية بكلّ مفاعيلها وتردّداتها السلبية.

وقال مرجع أمني يواكب التحقيقات التي بوشرت لـ"الجمهورية" إنّ العملية كانت جدّية ومتقنة الى أقصى الحدود، بدليل استخدام منفّذيها تقنيّات ووسائل متطوّرة وجديدة لم تُستخدم في أيّ جريمة أخرى الى اليوم، وإنّ ما تمّ تفكيكه في مصعد المبنى من تجهيزات كانت تشكّل بداية تحضير العبوة التي لا يمكن تقدير قوّتها إلّا بعد دراسة متقنة لقدرة المصعد على التحمّل، بما يؤدّي الى مقتل الرجل المستهدف بكمّية قليلة من المتفجّرات يمكن زرعها في جوانب منه لا يمكن لأحد اكتشافها لولا العناية الإلهية التي جعلت التزامن قائماً بين منفّذي العملية وسكّان المبنى.

وأكّد المرجع أنّ ما اكتُشف في المبنى شكّل بداية تحضير للعملية ليؤدّي تنفيذها في ظروف يمكن اعتبارها عادية أو أنّها جرت نتيجة احتكاك كهربائي أو أيّ عطل طارئ كان يمكن أن يصيب المصعد، وهو أمر يحتاج الى الكثير من التقنيّات والقدرة على المراقبة لتصويب الانفجار باتّجاه الرجل المقصود وتنفيذها في أدقّ الظروف. أضاف: "إنّ التحقيقات في مثل هذه العملية المعقّدة ستأخذ وقتها، والحصول على رزمة من البصمات مهمّ جدّاً، لكنّ استخدام عناصر جديدة في العملية سيؤدّي الى المزيد من التعقيدات، وإنّ الأمر سيظهر بعد إجراء المقارنة الواجبة بين ما تمّ نزعه من بصمات وأخرى لمنفّذي جرائم أخرى، ما يؤشّر الى صعوبة المهمّة أو سهولتها، فإذا تطابقت يمكن الوصول سريعاً إلى المنفّذين وإلّا ستكون العملية على جانب من التعقيد. وحول الحديث عن توجّه المنفّذين الى الضاحية، قالت المصادر إنّ وضع اليد على مجموعة من الكاميرات في المنطقة سيحدّد بالتأكيد الطريق التي سلكها الجناة بشكل لا يقبل الجدل، خصوصاً أنّ المنطقة خاضعة لمجموعة من الكاميرات التي ترصد كلّ شبر من الطريق المؤدّية الى المبنى المستهدف.

قضيّة المياومين تستمرّ فصولاً

أمّا في معراب والمجلس النيابي وبكركي، فكانت محور حركة سياسيّة لافتة على خلفية قضية المياومين في شركة كهرباء لبنان التي يبدو أنّها لم ولن تنتهي فصولها قريباً، بل استمرّت تداعياتها على علاقة "حلفاء الضرورة". وعليه ما تزال ساعة عجلة العمل الحكومي والبرلماني معلّقة على "العقرب العوني"، في ظلّ استفحال الخلاف بين رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي أكّد أنّ "من يريد مشاكل فهو حرّ، وأنا مُصرّ على الدستور وخياري دائماً الدستور والقانون".

برّي لـ"الجمهورية"

وقال برّي لـ"الجمهورية" تعليقاً على ما حصل في الجلسة النيابية الأخيرة حول إقرار قانون تثبيت المياومين وما تلاه من ردود فعل ومضاعفات: "ما لاحظته أنّ المستهدف الحقيقي هو المجلس النيابي والدستور، وأنّ الظاهر فقط هو موضوع المياومين والحرص على الخزينة".

أضاف برّي: "إنّ ما حصل لن يؤدّي الى أيّ اصطفافات سياسية جديدة"، وإنّه لن يردّ على مواقف البعض "لأنّني حريص على معالجة ما جرى بما يخدم مصلحة البلاد في هذه المرحلة، التي تتطلّب من الجميع تحمّل المسؤولية".

تطيير نصاب هيئة المكتب

وقد انسحبت عدوى تطيير النصاب على اجتماع الهيئة العامّة لمكتب مجلس النوّاب بغياب أعضاء مكتب المجلس المنتمي الى 14 آذار "لاقتناعتهم بأنّ هناك أموراً يجب أن تُبحث برويّة في ما بعد، من أجل تحسين أداء المجلس"، كما

أبلغ نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري الى برّي، وذلك بعدما كان زار معراب ونسّق الموقف مع جعجع الذي لفت الى أنّ قرار عدم مشاركة النوّاب هو تعبير عن معارضتهم لطريقة إدارة الأمور في مجلس النوّاب. وبالتالي، اقتصر اجتماع هيئة مكتب المجلس على برّي ومكاري، فيما حضر النائب ميشال موسى إلى مقرّ الرئاسة الثانية.

وبعد الاجتماع أوضح برّي "أنّ موعد اجتماع هيئة المكتب تحدّد بناء على طلب الزملاء في المكتب، وعرفت بخبر امتناعهم عن الحضور من وسائل الإعلام. وحضر نائب الرئيس فريد مكاري، وتبيّن لي أنّه كان في اعتقادهم أنّ الاجتماع مخصّص للتصديق على محضر الجلسة العامّة. وأبلغته أنّ هذا الكلام لا يستقيم لأنّ هذا الامر ليس من اختصاص مكتب المجلس في الحالة التي نحن فيها، وأنّ النظام الداخلي واضح، وإذا كان هذا الغرض من طلب الاجتماع يكونون قد أخطأوا".

وسأل برّي "ماذا يعني تحسين الأداء البرلماني؟ هل أنا "أبو كلثوم" وبدّي غنّي؟ هناك نظام داخلي للبرلمان، ورئيس المجلس النيابي يتقيّد به بحَرفيته".

وعن وجود محاولة سياسية للحملة عليه، أجاب برّي "من جهتي لا "أجَوهر" إلّا على المشاكل، "واللي بدّو يمشكل أنا بجَوهر عالمشاكل، واللي بدّو حقّ وقانون ودستور كذلك، ولكن من الآن أقول لهم إنّ خياري الدستور"، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّه "عندما يصبح لدينا مشاريع قوانين فسأدعو الى جلسة تشريعية".

أمّا مكاري فأعرب عن اعتقاده بأنّ أعضاء الهيئة لم يقاطعوا بل طلبوا تأجيل الموعد، معتبراً أنّه بالتروّي وبحسن دراسة الموضوع سنتوصّل الى حلول لكلّ الشوائب وإلى عودة انعقاد المجلس واتّباع الطرق التي نرغب فيها، موضحاً أنّ تصديق محضر الجلسة لا يتمّ عن طريق مكتب المجلس، إلّا في حالات خاصة، ولا ينطبق على الوضع الحالي".

إلى بكركي

وكان وزير الطاقة جبران باسيل ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان زارا بعبدا وأطلَعا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على موضوع المياومين وأجواء الجلسة النيابية الاخيرة في هذه القضية والخطوات الآيلة الى إنهائها.

وقالت مصادر بعبدا لـ"الجمهورية" إنّ اللقاء خُصّص للبحث في موضوع المياومين في مؤسّسة كهرباء لبنان وأجواء الجلسة النيابية الأخيرة في هذه القضية والخطوات الآيلة إلى إنهائها. وأطلع باسيل وكنعان سليمان على نتائج الاجتماعات التي عقدت، ومنها لقاء باسيل ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أن يغادر إلى ألمانيا. وشرحا بالتفصيل المآخذ التي لدى التكتل على الحكومة وأدائها والمجلس النيابي وتحديداً في قضية إدارة الجلسات عدا عن الخلفيات المقروءة من ملف المياومين على مستوى الإدارة الرسمية ومفهوم الوظيفة العامة وانعكاسات ما قد تقرّر في مؤسّسة كهرباء لبنان على باقي المؤسّسات في البلاد.

وبعدما استمع رئيس الجمهورية إلى رأي باسيل وكنعان نصح بالبحث عن الحلول لملف المياومين في مجلس النواب أوّلاً قبل البحث عن الحلول في مكان آخر. ولفت إلى أنّ موقفه من الملف واضح وشفّاف، فهو لم يطّلع بعد على القانون الجديد ولا على التعديلات التي أدخلت في المرحلة التي سبقت الجلسة وما جرى فيها وأنّه في ضوء ما سيُحال إليه في النتيجة سيبني موقفه من المرسوم. فإذا حوى مخالفات دستورية لن يمرّ بما منحه إيّاه الدستور من صلاحيات لم يمارسها قطّ بطريقة استنسابية ولا كيدية، وإذا كان منسجماً مع مفهوم الدستور والمصلحة العامة ومصلحة المؤسّسة وحاجاتها سيكون توقيعه أمراً نهائيّاً.

ثم توَجّه باسيل وكنعان عصراً إلى بكركي يرافقهما السيّد غابي جبرايل، وأطلعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على أجواء موقف التيار الوطني الحرّ بعد قضية المياومين.

ماكين مجدّداً في بيروت

وفي غمرة الاهتمامات الأمنية والسياسية، جاءت زيارة السيناتور الأميركي جون ماكين إلى بيروت لتضيف إلى القراءات السياسية البعد الإقليمي لكلّ ما يجري على الساحة اللبنانية من أقصى الشمال إلى قلب بيروت.

وقالت مصادر واسعة الإطّلاع لـ"الجمهورية" إنّ جولة ماكين استقصائية أكثر ممّا هي سياسية روتينية وتقليدية، وهو يستطلع المواقف اللبنانية التي استجدّت منذ زيارته الأخيرة إلى بيروت في أيّار الماضي وجولته الشمالية على طول الحدود اللبنانية – السورية سعياً وراء معرفة رأي القادة اللبنانيين ممّا يجري في سوريا.

ولم يُدلِ ماكين بأيّ رأي واضح أو سيناريو محدّد خلال جولته، فظهر حاملاً سلّةً من الأسئلة التفصيلية حول التردّدات التي عكستها الأحداث السورية في لبنان والجوار السوري ومستقبل الوضع في المنطقة بعيون لبنانية.

وعلمت "الجمهورية" أنّ ماكين سيزور رئيس الجمهورية في الساعات المقبلة بعدما زار كلّاً من قائد الجيش العماد جان قهوجي، وجعجع ترافقه السفيرة الأميركية مورا كونيللي، كما عُلِم أنّ السفارة الأميركية نظّمت سلسلة لقاءات لماكين مع شخصيّات لبنانية بعيداً من الأضواء.

وإثر لقائه مع جعجع، قال ماكين: "أعربت عن تقديري للشعب اللبناني الذي يستقبل اللاجئين السوريين ويؤمّن لهم المساعدة والمؤونة، ولقد بات معلوماً أنّني أدعم بشدّة تأمين السلاح والمساعدة اللازمة للّذين يحاربون من أجل الحرّية في سوريا". وعن الحلّ للأزمة السورية، قال: "لقد أكّدت دوماً الحاجة إلى دعم "الجيش السوري الحر" الذي يحتاج إلى أسلحة إذ إنّ الرئيس السوري يؤمّن له الروس الأسلحة، فنحن في حاجة إلى توفير منطقة آمنة للجيش السوري الحر والمقاومة السوريّة لكي تتمكّن من تنظيم شؤونها وتتدرّب وتعالج المصابين".

الأمن في عكّار

ومن بيروت، وبعدما تفاعلت محاولة الاغتيال التي دُبّرت لحرب، اتّجهت الأنظار إلى عكّار بعدما انتشر مسلّحون في معظم قرى المنطقة إثر ورود معلومات عن الإفراج عن ثلاثة من الضباط الذين كانوا موقوفين رهن التحقيق في قضية اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد وحسين مرعب في حادث الكويخات في 20 أيّار الماضي.

وذكرت مصادر أمنيّة أنّ بعض المسلحين الملثمين ظهروا في بلدة البيرة في بلدة عبد الواحد وقطعوا الطريق الرئيسي المؤدّي إلى القبيات والقرى المحيطة بها استنكاراً لما حصل.

وفي هذا السياق، أجرى رئيس مجلس الوزراء، الموجود في ألمانيا، سلسلة من الاتصالات مع الوزراء المعنيين وقادة الجهزة الأمنية، في إطار معالجة الاحتجاجات التي تشهدها منطقة عكّار، طالباً "العمل على فتح الطرق ومنع المخلّين بالأمن من استغلال التعبير المشروع عن الرأي لافتعال مشكلات نحن في غنى عنها في هذا الظرف الدقيق وتؤدّي إلى توتير الوضع مجدّداً". وقال: "إنّنا ندعو أهلنا في عكّار إلى الهدوء وانتظار حكم القضاء في هذه القضية، ونعاهدهم أنّنا سنتابعها إلى النهاية لجلاء كل ملابساتها وتحديد المسؤولين عنها وإنزال العقوبات اللازمة بحقّهم.   

السابق
(المجلس الشيعي) في (الغرفة الرابعة)
التالي
السفير : عون وجعجع يحاصران بري ..وماكين يدعو إلى «منطقة آمنة