كم كنتَ روحكَ يا بلال

رحل الزميل الصحافي بلال طبّوش (1985 ــ 2012) في حادث سير قبل يومين، بعدما صدمت جرّافة، الدراجة الناريّة التي كان يقودها. عمل طبّوش في مؤسسات إعلاميّة عديدة، وكان من الصحافيين المعتمدين في المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري. توزّع عمله بين الكتابة، والتقاط الصور الفوتوغرافيّة، وكان يحمل أحلاماً كبيرة، قبل أن ينضمّ إلى قافلة «شهداء حوادث السير» على الطرق اللبنانيّة. وفاة بلال الخاطفة، خلّفت حزناً عميقاً في قلب أصدقائه وزملائه.

يا بلال، هذا المجدُ لك، قُم يا صديقي، وافرش من بياض اللحد عينيك. الكلّ هنا سمع بك، وصاروا يعرفون ما تريد. لم تكن منذ يومين خافتاً هكذا. أنت الروح التي تعبث بالضحك، يا بلال. أقول لك، ولا أزال أقول، لا تيأس. رأيت؟ صارت صورك ملء نظر المحبّين، والفضوليين، والمشتاقين.
مشتاقون نحن يا بلال.
التقينا قبل ثلاث سنوات. وكسرعة لفظ العين دمعها، صار كلّ شيء. لم أرَ طموحاً جامحاً كالذي كان يرتسم على عينيك.. كأنّه يصير أنت. غدوت بشكل الحلم، رغم أنك كنت تعبت من المحاولة، وكنت أقول لك لا تيأس. العابرون في الظلال، الذين لا يراهم أحد، تكتمل مشهوداتهم بالغياب. رطّب ترابك المستلقي عليه بالأمل.

حلم بلال بأن يصير صحافياً لامعاً مثل كبار الكتّاب. عمل لسبع سنوات في القصر الجمهوري ــ القسم الإعلامي. وكان كلّما التقى الرئيس ميشال سليمان، يتصل بي ليقول: «التقيته يا غفران، وأبدى رضاه عن عملي!» أيها الرئيس، احتفظ بناحية بلال ومكتبه، رجاءً. دع الغياب يستلقِ عليه، ليُخبرنا عنه، وليرسم من الغيم العابر في الصيف شكله.
كان يذهب من الفجر الباكر إلى عمله في القصر الجمهوري، ويعود ظهراً. ينام قليلاً، ثمّ ينزل إلى دكان والدك، ليجلس مكانه، ويكنس له البلاط. يتنقل من صروح القصر إلى داخل الدكان الصغير. لكنّه كان يجلس ويستريح داخل تلك الأمتار القليلة، برفقة نرجيلته، صديقته الدائمة.

كم كنتَ روحكَ يا بلال.
كنتَ تسبقني بأفكارك. تطرح عليَّ «سكوب»، لكي أكون أنا دون غيري من يكتبه. كان حلمك أن تُباد المخدرات من الضاحية الجنوبية لبيروت وزواريبها ومدارسها، وأن تُصادر الدولة كل الدراجات الناريّة. لكنّك لم تكن تعلم أن ضائقة مادية ستقع بها، وستجبرك على بيع سيارتك، وتشتري دراجة ناريّة، فتموت عليها.
الكاميرا التي اشتريتَها منذ أشهر، والتي لوّنتَ فيها العابرين والماكثين فيك، كانت قرباناً للعاشقين المنتظرين على المفارق، لوّنت قصصهم كما يلوّن قوس قزح السماء، كاميرتك وحيدة يا بلال، وحيدة. أردتَ بها أن تُشبع طموحك، لأنّ البحث عن عملٍ آخر في الصحافة كدّر سعيك وأملك، لكنك لم تُشبع جوعك.
ولم تكن تشكو.
كانت الصحف تصلك إلى القصر قبل الجميع. وكنتَ في كلّ مرة تقرأ مقالاً منشوراً لي، تتصل بي، لتهنئني. أنا أكتب عنك اليوم يا بلال، هنئني حيث أنت، وسأهنّئ نفسي بك.
رطّب ترابك بالأمل يا بلال، أيّها الصحافي الواصل من الفجر إلى لحده الأبدي.  

السابق
اللبنانية جسيكا قهواتي تفوز بلقب ملكة جمال استراليا
التالي
اغتصب طفلة عمرها 5 سنوات والقاضي رفض سجنه