بداية النهاية

قد يبدو للبعض أن المجتمع الدولي قرر أخيراً نصرة الشعب السوري من خلال الاتفاق الضمني بين الولايات المتحدة وروسيا على رحيل الأسد، بل بدأت المفاوضات على سورية ما بعد الأسد، وكأن الأمر نتيجة صحوة أخلاقية انسانية روسية بعد تعنت أشهر طويلة أعطى فسحة لنظام الأسد للاستفراد بالشعب السوري وابادته.
ويظن البعض أن تعنت موسكو وبكين راجع الى حجم المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري مع سورية الأسد، وان هذا التعنت هو خوف من فقدان هذه المصالح، والتي كررت معارضة الخارج تعهداتها بالحفاظ عليها وعدم المساس بها بعد رحيل الأسد وأكثر من ذلك.

لكن العالم الذي تململ من ضعف الموقف الغربي الأميركي، وتعطل الارادة الدولية، عزا ذلك الى الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن، ولم ير أن هذه الارادة الغائبة هي محاولة للبحث عن مخارج لابقاء النظام وروحه بعد أن فقد رمزه شرعيته على الأرض، بينما كانت روسيا تريد الابقاء على الاثنين النظام ورمزه، لا حباً أو تمسكاً بهذا الرمز ولكن لتضع نفسها في موقع دولي تفاوضي قوي ضد الولايات المتحدة.
روسيا لا تهمها صفقات بيع السلاح وبعض المصالح الاقتصادية التي يمكن الحصول عليها من معارضة الخارج حتى بعد رحيل الأسد، ولكن ما يهمها هو وضعها كقطب دولي محاط بالصين وايران، يضع نفسه نداً للولايات المتحدة وحلف الناتو الذي استفرد بميزة القطب الواحد لسنوات، ونشر قواعد عسكرية وصواريخ موجهة ضد الحلف الروسي – الصيني، بعد أن استفادت روسيا من ارث الاتحاد السوفياتي من الصناعات الضخمة والسلاح النووي، فببساطة تريد روسيا حصة من العالم الذي استولت عليه الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، مستفيدة من قوتها في تمرير أو تعطيل أي قرار في مجلس الأمن.

وقد أوصلت روسيا العالم الى حافة حرب اقليمية وربما دولية من خلال اسقاط الطائرة التركية، سواء بعمل منفرد من خلال الدفاعات الجوية، أو من خلال الايعاز للجيش السوري، وهذا يجعلها مفاوضاً قوياً على الأرض، ولكن تطمينات بوتين لاسرائيل خلال زيارته الأخيرة لها، بأن أي عمل عسكري لن يكون موجهاً ضدها، وان النظام السوري سيظل متسامحاً مع الانتهاكات الجوية الاسرائيلية للأجواء السورية، كانت تريد أن تقول في الوقت نفسه ان روسيا لم تعد الاتحاد السوفياتي الذي يقف مع العرب ضد اسرائيل.
كما أن قرارات مؤتمر جنيف كانت قرارات خجولة، أقصى ما وصلت اليه هو الطلب من المعارضة السورية المشاركة في حكومة وطنية، سواء بوجود الأسد أو عدم وجوده ولكن الأهم هو المحافظة على روح النظام التي طالما حمت اسرائيل وأمنت جبهة الجولان.

لكن لم يكن لهذه التحركات الدولية السريعة لتحدث، لولا انجازات وانتصارات الشعب السوري على الأرض، ولولا تغير موازين القوى لصالح نضال وصمود الشعب السوري في وجه آلة الدمار والمجازر الوحشية، بعد أن أصبح الجيش الحر يسيطر على ما يقارب من 60 في المئة (حسب تصريحات المعارضة) من الأراضي السورية، وبعد حدوث انشقاقات كبيرة شملت رتبا عليا في الجيش والاستخبارات، اضافة الى الطيارين الذين فروا بطائراتهم الى الأردن.
وهذا الوضع يقلق كلا من الولايات المتحدة واسرائيل وروسيا معاً، هذا الوضع الذي ينذر بوجود خطر محتمل على اسرائيل، وهذا أيضاً يثبت مرة أخرى أن الشعوب لا تقهر مهما بلغ العنف والمؤامرات الدولية عليه.
 

السابق
صراع برّي_عون يفقد الحكومة طاقتها
التالي
هل هذا زمن الإسلاميين؟