الشيخ الأسير وميقاتي والتغيير الضروري

كل مطالب الشيخ أحمد الأسير واضحة ومحقة، فهو في كل مداخلاته بمسجده وفي الإعلام يتحدث عن مسار وسياسات منذ العام 2005 بل منذ اجتماع عين التينة عام 2004. وهذه السياسات التي اتخذت مساراً متعرجاً لكنه ذو هدف محدد غرضها كسر شوكة المسلمين ليس بالمعنى الديني، بل بالمعنى السياسي. وهي الشوكة التي أعاد الرئيس رفيق الحريري تكوينها بعد الانكسار الوطني والعربي والإسلامي بلبنان وبلاد الشام على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد. جرت تنحية رفيق الحريري من رئاسة الحكومة، ثم جرى اغتياله. وعندما فوجئ الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه في لبنان بالثورة العارمة على الاغتيال، قاموا باستيعاب ما حسبوه ردّة فعل بالإصرار على بقاء اميل لحود، وتنحية ميشال عون، والتحالف الرباعي في انتخابات العام 2005. وكان لا بد لهذا التحالف ان ينفرط بسبب إصرار المسلمين وقوى 14 آذار الأخرى على التحقيق الدولي في الاغتيال، والإصرار على خروج العسكر السوري من لبنان. وتوالت الاغتيالات لإخماد الثورة، ثم كانت حرب العام 2006 لصرف الأنظار، ولفت الانتباه إلى مكان آخر. ثم كان حصار السراي، وصولاً لاحتلال بيروت، والذهاب إلى الدوحة، فإلى تشكيل حكومة سعد الحريري بعد الانتصار في انتخابات العام 2009، فإلى تعطيل حكومة الحريري الابن، فإلى إسقاطها بالانقلاب الذي جاء بحكومة الميقاتي.

ما حاد الأسد وحزب الله عن خط وخطة الاستيلاء على لبنان، وكسْر المسلمين من طريق تنحية آل الحريري، واختراق الصفوف، وكسْر شوكة المسيحيين من خلال الجنرال عون، والانضواء بين هذا وذاك تحت لواء إيران بحجة مصارعة الإمبريالية الأميركية، وفي الواقع لإقصاء السعودية والعرب الآخرين عن لبنان باستثناء الرئيس الأسد بالطبع! وكان المسلمون وقوى 14 آذار الأخرى يردون دائماً بالإنكار على السلاح، والنزول الى الشارع في المناسبات السنوية لاستشهاد الرئيس الحريري، إصراراً على الصمود، وعلى إحياء الدولة، وعلى إنهاء عهود الاغتيال السياسي عن طريق كشف قتلة الرئيس الحريري ومعاقبتهم. إنما في الواقع ما أعدوا هم ولا قوى 14 آذار الأخرى استراتيجية لمواجهة استراتيجية الهيمنة الإيرانية والسورية والحزبية الداخلية، بل على العكس، فبعد كل كسرة كانت قيادة المسلمين (كأنما ليست هي المستهدفة) تتقدم بمبادرات للحوار، ولحكومات اتحاد وطني. لكن هذه النوايا والممارسات الطيبة ما فهمها الأسد والحزب إلا باعتبارها تنازلات تدل على الضعف، ولذلك، وبعد التعاون الكبير خلال حرب العام 2006، جرى اتهام قوى 14 آذار بالخيانة، وجرى حصار حكومة السنيورة التي كانوا هم مشاركين فيها، ثم دخلوا إلى الحكومة من جديد بعد الدوحة بقوة وبالثلث المعطّل، لتطرح السعودية مبادرة الـ (س + س)، فيقوم الإيرانيون وبشّار بتفشيلها لصالح صيغة: «الجيش والشعب والمقاومة»، أي بدون الدولة اللبنانية، وبدون المسلمين منذ اواخر العام 2010!.
الشيخ أحمد الأسير، وقبله شخصيات وشيوخ وتنظيمات في طرابلس وعكار وعرسال والبقاع الأوسط والغربي، وبصيغ مختلفة لكنها متشابهة، تتمرد على مآلات هذا الوضع: العزل السياسي للمسلمين، والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ووهجه، والتغلغل في أجهزة الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية من أجل التعطيل أو السيطرة والتحويل. وتعترض شخصيات وقوى إسلامية على طرائق الشيخ الأسير والشيوخ الآخرين، لكنها لا تطرح بدائل باستثناء المواقف الإعلامية!.

إن المظهر الفاقع للسطوة السورية وسيطرة الحزب يتمثل في حكومة ميقاتي التي عزلت المسلمين سياسياً، وسوّدت لغة السلاح في كل حديث سياسي أو إعلامي، ونشرت الأزمات في كل الملفات الوطنية. ولذا فبدلاً من الانصراف لمطالبة الشيخ الأسير بعدم سدّ الطرقات، لننصرف لمعالجة الداء العياء المتمثل في الحكومة، والتي جاء بها الأسد وحزب الله ووليد جنبلاط وفيتلمان. ما كنت مع الذهاب للحوار الوطني الذي دعمته المملكة العربية السعودية، لكنني كنت على يقين أن الإيرانيين والسوريين لا يدعمون أي حوار أو حديث يأتي من المملكة! فلتذهب حكومة ميقاتي لتنكشف جمجمة الهيمنة التي عرّتها ثورة الشعب السوري. ولتذهب مع الحكومة كل أوهام وممارسات وجهات الانقسام والتمترس في صفوف المسلمين واللبنانيين الآخرين!.  

السابق
مسكين لبنان
التالي
المعارضات السورية والموت السريري