هذا الذي في لبنان

كان ذلك مساء أول من أمس يوم الأحد:
أحد اللبنانيين كان عائداً إلى منزله من عطلة نهاية الأسبوع أمضاها خارج العاصمة، وفي طريق العودة المزدحمة دائماً بأرتال السيارات، أدار الراديو في السيارة فسمع إعلاناً ترويجياً للسياحة في لبنان عنوانه شو في بلبنان؟، لم يكد الإعلان ينتهي حتى بدأت الملاحِق الإخبارية تتوالى عبر الإذاعة ذاتها:
الأهالي في منطقة الجمهور يقطعون الطريق الدولية إحتجاجاً على نقل مُحوِّل من شركة الكهرباء في الجمهور إلى معمل الزهراني.
الأهالي في الزهراني يقطعون الطريق إحتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي.
طريق صيدا مازالت تشهد اختناقاً مرورياً نتيجة استمرار حركة الإعتصام التي يقوم بها الشيخ أحمد الأسير.

هذه عيِّنة عشوائية ردَّاً على سؤال شو في بلبنان، صحيح ان المقصود من الإعلان السياحي الترويجي أن الذي في لبنان هو الطبيعة الخلابة والسهر والحفلات والتسوق والمهرجانات وغيرها من العوامل التي تجذب السائح، لكن الإعلان انقلب رأساً على عقب ليظهر أن الذي في لبنان يختلف كلياً عن الإعلان الترويجي، ففي لبنان قطع طرقات واحتجاجات على انقطاع الكهرباء، الطرقات أصبحت متنفساً لفشة الخلق حتى ولو تعددت الأسباب، والقطع يؤدي إلى قطوعات تبدأ ولا تنتهي:
إذا نجا المواطن من قطوع طريق المطار أثناء وصوله إليه، فقد لا ينجو أثناء المغادرة، وإذا نجا أثناء المغادرة فقد لا ينجو أثناء التنقل في لبنان.
هذا الذي في لبنان.

أكثر من ذلك فإن التحركات ليست دائماً عفوية، فما استوقف المراقبين أن التحرك العفوي الذي شهدته منطقة الجمهور إحتجاجاً على نقل محوِّل منها إلى الزهراني هو ظهور يافطات مُعدَّة سلفاً، فمن أين جاءت هذه اليافطات بعد ظهر الأحد؟
وأيُّ مصنع لليافطات كان يعمل وكان ينتظر أبناء الجمهور ليأتوا ويُصنِّعوا تلك اليافطات؟

كل شيء مركَّب وكل شيء مفبرك، فوزير الطاقة جبران باسيل لديه معركة مع رئيس مجلس النواب، لذا فقد أوعز إلى مناصريه بأن يقطعوا الطريق لأن المحوِّل سيذهب إلى منطقة نفوذ الرئيس بري، ولم يكتفِ بالإيعاز، بل عمد إلى توزيع اليافطات على المحتجين، فجاءه الرد سريعاً من الزهراني حيث أن قطع الطريق موجَّهٌ ضده في الإساس.
هذا الذي في لبنان، فأين السياحة من كل ذلك؟

فاتنا أيضاً أن الذي في لبنان هذا الصخب النيابي الذي يمتد من يوم أمس حتى مساء اليوم، مشهدُ النواب وهُم يتجادلون ليس مشهداً سياحياً على الإطلاق لأنه يُذكِّر اللبنانيين بأحد أهم مشاكلهم وسبب تقهقرهم.  

السابق
إفقار التاريخ
التالي
أصدقاء سوريا جزء من المشكلة؟