لمعارضة تليق بسوريا

في وقته السياسي والميداني المناسب يأتي الاجتماع الموسّع للمعارضة السورية في القاهرة، وإن كان ذلك الموعد تقنياً مقرّراً سلفاً ومُعدّاً في اطار سلسلة خطوات ستتّخذ تباعاً لتبلور وتُمظهر الإجماع الوطني على مواجهة وإسقاط سلطة الاسد وأدواتها.

وهو الاجتماع الأشمل والأكبر من نوعه منذ بدء الثورة السورية التامة في آذار من العام الماضي. وأهمّيته مزدوجة، في حضوره وموضوعه: ممثلون عن العشائر العربية والكردية والهيئات والقوى المحلية التي أنتجتها الثورة في الداخل، وبقيت لأسباب موضوعية تتعلق بالميدان ومتطلباته وشروطه، ولأسباب سياسية وتنظيمية أخرى خارج جسم المجلس الوطني الذي يمثّل مبدئياً البديل من سلطة البعث ورموزها وتركيبتها.. يحضرون تحت موقف واحد ويناقشون برنامجاً سياسياً شاملاً يتعلق بالمراحل الراهنة والانتقالية والدائمة لسوريا ما بعد الأسد.

تأخرت تلك الخطوات لكنها وصلت أخيراً. والطريق إلى ذلك كانت (ولا تزال) موحشة وغدّارة ولا مثيل لها: يقاتل السوريون اليوم سلطة من بقايا عالم الأمس، عالم الطغيان الموشّى بشعارات كبيرة تدّعي البحث عن العدالة لكنها تدمّر كل مقوماتها وأسبابها. وتدّعي مواجهة الاستبداد العابر للحدود لكنها تقيم في سبيل ذلك استبدادا فئوياً حاداً ومتطرفاً. وتدّعي تلبية شروط المحافظة على كرامة الأفراد والجماعات لكنها تفعل كل شيء لتحطيمها ومسحها بالأرض. وتدّعي محاصرة أسباب الفقر والعوز واللاعدالة في استثمار الثروات الوطنية وتوزيعها لكنها تفعل ما لا تفعله إلاّ المافيات وعصابات اللصوص وقطّاع الطرق. وتزيد على ذلك، بتأطير كل هؤلاء في طبقة سياسية مالية أمنية تحكم بالزور والبطش والإرهاب، ولا تكتفي بمراكمة الثروات والاحتكارات والسرقات، بل "تناضل" كي يبقى عوز العامّة، عامّاً وشاملاً.. وسلاحاً من أسلحتها.

ويقاتل السوريون سلطةً ما عاد لها مثيل (حرفياً) في أي بقعة فوق هذه المعمورة.. آخر صنو لها سقط في حفرة على جانب الطريق في ليبيا. وآخر "مثال" لها كان سبق الجميع في انهياره التام والخلاّب في أوائل تسعينيات القرن الماضي فتحرّرت بسقوطه أمم كبيرة وعريقة في أوروبا العتيقة وخرجت إلى النور بعد عقود من الظلام المؤدلج "العلمي" و"التاريخي"!
ويقاتل السوريون، سلطة راكمت على مدى خمسة عقود سلاسل وحلقات أمنية وتعبوية وتنظيمية على كل المستويات وأرفعها تدريباً وتسليحاً، وأحطّها أخلاقاً، مارست ولا تزال، ضروباً قروسطية من العنف العاري والضاري، الذي ما كان مقدراً انه لا يزال موجوداً اليوم.

تستحق سوريا برنامجاً بديلاً يليق بتضحيات شعبها. ونظاماً يليق بمستقبلها. وأداءً يليق بتاريخها وعروبتها. وسلطة تليق بطموحات مكوّناتها وحاجاتها، ودستوراً يليق بإنسانها وكل إنسان..
تأخرت إنجازات المعارضة في هذا السياق لكنها وصلت أو تكاد راهناً إلى محطتها الأبرز على الطريق، لإنقاذ سوريا وشعبها ومحيطها من سلطة بُنيت واستمرت بأثمان وأكلاف دموية باهظة وفاحشة.. وآن لها أخيراً أن تندثر!
 

السابق
السياسة للدولة..الدين للمجتمع
التالي
علوش: حالة الأسير أوجدها حزب الله