اتفاق ولد ميتاً

اتفاق جنيف حول سوريا عجيب غريب.

اولا: ان الدول الغربية التي شاركت في إقراره تعتبره اتفاقاً على ترتيب مرحلة انتقالية وتنحية الرئيس السوري بشار الأسد، فيما ترى فيه موسكو اعترافاً بدور الأسد في قيادة المرحل الانتقالية.

ثانياً: ان الدولتين الاقليميتين المعنيتين والمؤثرتين في شكل مباشر في الأزمة السورية وهما السعودية وإيران لم توجه إليهما الدعوة للمشاركة في الاجتماع الذي من المفترض انه وضع تصوراً "لمرحلة ما بعد الأسد".

ثالثاً: أعاد بيان جنيف التأكيد على بعض بنود خطة المبعوث الاممي كوفي أنان السابقة ولا سيما منها وقف القتال وانسحاب الجيش والمسلحين وبدء حوار. ولكن من يستطيع تنفيذ هذه الاجراءات، ولماذا ستنفذ اليوم بعدما تمنع كل الأطراف في سوريا عن التزامها وتطبيقها منذ اشهر بل بالعكس تفاقمت المواجهات المسلحة بشكل مأسوي ما دفع فريق المراقبين الدوليين الى تعليق مهامهم في سوريا؟

رابعاً: لم يحدد اتفاق جنيف خريطة طريق، ولا مواعيد ولا مهل، وان لمّحت بعض الاطراف الدولية الى ان خطة أنان الثانية هذه تشكل فرصة أخيرة لحل النزاع في سوريا قبل ان يتحول الى حرب أهلية ويستدرج تدخلا عسكرياً من قوات حلف شمال الاطلسي.

من هنا، لا خطة أنان الاولى ولا خطته الثانية يمكن ان تقود الى وقف حمام الدم والتأسيس لمرحلة انتقالية في سوريا.

فالقتال سيبقى سيد الموقف، وهو من يحدد في النهاية من يحكم سوريا وكيف ومتى.

والقتال الذي ينحصر اليوم داخل الاراضي السورية وبين السوريين، وهو مرشح لمزيد من التصعيد والتوسع وإن لم يكن أي من السلطة أو المعارضة قادراً على الحسم أو الرجوع الى الوراء.

غير أن هذا القتال قد يتطور في مرحلة ما لاحقاً عندما تصبح الظروف الدولية والاقليمية ناضجة لتسديد الضربة القاضية في النزاع على سوريا، الا ان توقيت هذا الخيار ليس في المدى المنظور خصوصا وان أنان منح اتفاق جنيف مهلة سنة لانجاز هدف انتقال السلطة في سوريا في توافق ضمني على استبعاد الرئيس الأسد.

ومن الطبيعي أن تأخذ الأمور وقتاً طويلاً في غياب قدرة الداخل على الحسم وانتفاء ارادة الخارج بالتدخل العسكري المباشر، واستحالة تنحي الأسد نتيجة قراءة الغرب ورغبته، خاصة بعد سقوط نظرية امكان تنفيذ انقلاب من داخل النظام الذي أثبت حتى الآن تماسكه وثباته وعدم استعداده لأي تنازل خوفاً من ان تؤدي التضحية الى تضحيات والتنازل الى تنازلات.

يقول الغرب على الوقت لاستنزاف النظام عسكرياً واقتصادياً ليصبح مبدأ نقل السلطة قابلا للتطبيق من دون تدخل عسكري خارجي اخذ اتفاق جنيف مصالح كل الدول المشاركة فيه بعين الاعتبار وراعى مواقف كل دولة وتعديلاتها على البيان، وحدها سوريا لم يسمع رأي نظامها ولا صوت شعبها.  

السابق
المسافة البعيدة بين سوريا وجنيف
التالي
اهمال