هل أدرك أنّ إقصاء المستقبل خطأ؟

القاعدة الذهبية لاستقرار لبنان قائمة على تشارك القوى التمثيلية داخل الجماعات اللبنانية في السلطة، واستهداف أيّ فئة تمثيلية لخطّ سياسي بهدف الاستئثار بالقرار الوطني يُدخل البلاد تلقائيّاً في مرحلة من عدم الاستقرار مفتوحة على شتّى الاحتمالات، والتجارب أكبر برهان وأكثر من أن تُعدّ وتحصى.

لم يدرك "حزب الله" خطأه إلّا متأخّراً، لأنّ المخطط في الأساس كان يرمي إلى إلغاء تيار "المستقبل" الذي حاولوا شطبه في مرحلة أولى مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثمّ عبر إخراجه عنوة من السلطة مع إسقاط الحكومة الحريرية. وكان الاعتقاد والرهان في آن أنّ الرئيس نجيب ميقاتي سيتمكّن، بعلاقاته الدولية والعربية وانفتاحه على العائلات السنّية ومواجهته المنسّقة مع الحزب، من جعل "الحشيش" ينبت على درج "قريطم" أو "بيت الوسط".

إلّا أنّ الثورات العربية، وتحديداً السورية، لم تكن في الحسبان، وأدّت تلقائيّاً إلى إسقاط هذا المخطّط الذي كان يؤسّس لحقبة جديدة من الوصاية على لبنان. ومن هنا فإنّ المأخذ على ميقاتي ليس في إدارته المرحلة التي تحوّلت إلى انتقالية مع انطلاق الثورة السورية، إنّما مردّه إلى مشاركته وعن سابق تصوّر وتصميم في توفير الغطاء لضرب انتفاضة الاستقلال والقضاء على أهدافها.

وهذا ما يفسّر رفض الملك السعودي استقباله، نظراً للدور الذي لعبه إنْ في الانقلاب على الحريري أو التموضع إلى جانب دمشق-طهران ضدّ الرياض. وهذا ما يفسّر أيضا عدم الارتياح المسيحي له من زاوية أنّ استهداف الحريري ليس استهدافاً لشخص، بقدر ما أنّه استهداف لخطّ سياسي عنوانه "لبنان أوّلا" و"الدولة أوّلا".

ولعلّ تسارع التطوّرات من الصعود الإسلامي وتبدّل النظرة جذرياً حيال "حزب الله" ودوره في العالمين العربي والإسلامي، إلى التيقّن أنّ النظام السوري فقد القدرة على استرداد المبادرة، وتأثّر مصالح الشيعة في الخليج واختطاف المجموعة الشيعية في سوريا، وصولاً إلى تنامي القوى الإسلامية في لبنان وتراجع قدرة "المستقبل" على احتوائها، وهذا أقلّه ما ظهر في طرابلس وعكّار وأخيرا في صيدا… إنّ كلّ هذه التطوّرات وغيرها أظهرت أنّ الحزب بات في وضع لا يحسد عليه، وهو مرشّح للتفاقم بعد سقوط النظام السوري.

فـ"حزب الله" غير قادر على التصدّي لهذه الحالة بشكل مباشر، ولا حتى بشكل غير مباشر عبر استخدام حلفاء له من الطائفة السنّية في مشهد مستنسخ من نظام الوصاية الذي عندما شعر أنّ الدينامية التي أطلقها لقاء "قرنة شهوان" يمكن أن تقود إلى إخراج جيشه من لبنان حاول فرملتها عبر خلق ما يسمّى بـ"تظاهرات السواطير" و"خلية حمد" وغيرهما، ولكن الوضع اليوم مختلف، لأنّ المواجهة ليست مع المسيحيّين أو قوى 14 آذار مجتمعة، إنّما مع الإسلاميّين، وبالتالي افتعال مواجهة سنّية-سنّية غير مضمونة النتائج لجهة توسّعها إلى مواجهة سنّية-شيعية، والتي يعمل الحزب المستحيل لتجنّبها، نظراً لانعكاسها على وضعه وحركته ومستقبله.

ولعلّ الحلّ الوحيد أمامه هو في إعادة الوصل مع تيار "المستقبل" الذي أظهرت الأحداث أنّ إضعافه لا يخدم الحزب في مرحلة يرتفع فيها منسوب الصراع المذهبي، الأمر الذي سيدفعه عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة البحث مع "المستقبل" واستطراداً 14 آذار لتشكيل حكومة إنقاذ تشكّل مظلّة لجميع اللبنانيّين من أجل اجتياز المرحلة الانتقالية بأقلّ الخسائر الممكنة، فضلاً عن أنّ التطبيع مع التيّار الأزرق يمكن أن توظفه إيران كرسالة انفتاح على السعودية، وبالتالي استبدال الـ "س.س." بالـ"س.أ.".

ولكن يبقى السؤال: هل تجاوب القوى الاستقلالية يشكّل خطوة تراجعية من قبل هذا الفريق؟ بالتأكيد كلّا، إنّما تكون قد نجحت في دفع "حزب الله" إلى منتصف الطريق لبلورة تسوية تعيد التوازن وتنأى بلبنان وتمهّد للدخول في المرحلة الجديدة. وفي هذا السياق يكون الدور الذي أدّاه الشيخ أحمد الأسير ورفاقه ساهم إيجاباً في دفع الأمور في هذا الاتّجاه.  

السابق
رفض الردّ
التالي
لماذا تحريك الشارع قبل نتائج الحوار؟