مهلة جنيف الدموية

أي نص سياسي هو نتاج تسوية بين طرفين مختلفين، وظيفته ان يعبر عن موازين قوى جديدة على الارض، وان يعكس رغبة مشتركة في انهاء الصراع والجلوس الى طاولة مفاوضات. وثيقة مؤتمر جنيف ليست استثناء لهذه القاعدة، لكن غموض فقراتها والتباس مفرداتها يزيدان من صعوبة إدراجها في اي سياق سياسي محدد، يقود الى هدف سياسي معين.
الوثيقة لا تأتي نتيجة ضغوط سورية، مصدرها تعب النظام او ضجر المعارضة. فكلاهما ما زال يؤمن بانه قادر على الانتصار في معركته وفرض شروطه، وان اختلفت درجات الحماسة والثقة بذلك النصر بينهما. وهما لذلك يعتبران الان على الاقل ان التسوية مستحيلة، او غير واردة في المرحلة الراهنة. هذا هو القاسم المشترك الوحيد بينهما، الذي لا يمكن ترجمته الى اي نص سياسي وبأي لغة كانت.
لعل المشاركين في مؤتمر جنيف تعمدوا ذكر مهلة عام لتنفيذ وثيقتهم، وكأنهم بذلك يمارسون الضغط غير المباشر على النظام والمعارضة في آن معا، من خلال إبلاغهما ان المجتمع الدولي بلغ اقصى ما يمكنه من اجل العثور على حل يوقف المذابح وينهي الأزمة.. التي لم تعد تحتمل التسويات والحلول الوسط، ولن تشهد بالتأكيد التزاما بمهلة الأشهر الـ12 المقبلة من اجل حسم الصراع، لا من قبل النظام ولا طبعا من قبل معارضيه.
وعلى هامش تلك الفرصة الزمنية الجديدة التي حددها مؤتمر جنيف لاستمرار الصراع، ستستمر عملية القياس الدقيقة للتحولات التدريجية البطيئة في المواقف الاميركية والأوروبية والروسية والتركية، التي لم تنطلق في الاصل من تجربة الحرب الباردة حسبما رأى بعض الحالمين، ولم تعكس حتى الان تناقضات جذرية بين واشنطن وموسكو وحلفائهما، لا حول التدخل العسكري الدولي غير المطروح، ولا حول الحل السياسي الذي بات الجميع يدرك أفقه النهائي.
ولعل ابرز واهم تحول سياسي يمكن تسجيله في مؤتمر جنيف ووثيقته، ان الروس قطعوا مسافة جديدة نحو الانضمام الى التشكيك الغربي بشرعية النظام السوري وصفته التمثيلية وبمصداقية الانتخابات التي أجراها والحكومات والمجالس المحلية التي شكلها في خلال الأشهر الـ16 الماضية. وهذا هو جوهر الوثيقة التي تدعو، بالإجماع الدولي الاول من نوعه، الى اعادة تشكيل هيكلية الدولة السورية ومؤسساتها.. وهو أقوى من كل ما قيل عن ان موسكو وافقت على ذلك النص بعد ان حصلت على تنازل غربي يقضي بشطب فكرة تنحي الرئيس بشار الاسد، التي لم تكن واردة في الصياغة اصلا.
باختصار، الوثيقة هي إشارة الانطلاق لطور جديد من الأزمة السورية اكثر دموية من اي وقت مضى، وأخطر من ان يحتمل الانتظار عاما اضافيا. 
 

السابق
لماذا تحريك الشارع قبل نتائج الحوار؟
التالي
الأسد لن يهاجم إسرائيل