جيوبولتيك الطوائف: ربيع الموحّدين الدروز قادم !!

   جذّرت ثقافة المستعمِر في بلادنا مفهوم الطائفية، وحولّت هذا المفهوم إلى كيان يتغذّى من الانغلاق والتقوقع، يعيش على حلم الفرادة والنزوع إلى الاستقلال. حلم يتغلغل في يوميات بني جلدتها عقيدة وممارسة. يطفو إلى السطح حينا ويخبو أحياناً، تبعاً للظروف، أو بالأحرى تبعاً لحاجة الآخر المستعمِر إلى جذوة حراكها أو حاجته إلى إبقائها ناراً تحت الرماد.

طائفة الموحدين الدروز، واحدة من الطوائف التي حاول المستعمِر أن يروّض حراكها ويقولب وجودها ويموضعها في سياق مشاريعه، لما تتمتع به من صلابة وطنية وقوة شكيمة ونخوة ومروءة وتضامن في وجه الأخطار. أعطاها كما أعطى غيرها حيزاً سياسياً مستقلاً في خريطة «سايكس ـ بيكو» على امتداد جبل العرب. إلا أنّ الشهامة الدرزية، وإيمان الموحّدين بانتمائهم القومي ووعيهم لمخططات المستعمِر، جعلهم يرفضون هذه الدولة المصطنعة، بل أكثر من ذلك، جعلهم طليعة المجاهدين دفاعاً عن الوطن، كلّ الوطن، فكانت ثورة 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش نموذجاً في الغيرية الوطنية ومحطة مشرقة في تاريخ بلادنا.

طائفة الموحّدين الدروز، الممتدّة من ساحل البحر الأبيض المتوسط في الشوف مروراً بمعظم جبل لبنان الى وادي التيم والجليل والجولان وجبل العرب وصولاً الى الزرقا في الأردن، ظلت تحت أنظار المستعمِر ورقة يمكن استخدامها، بعدما سلك المشروع حلماً في ذهن أحد القادة الإقطاعيين من دروز الكيان اللبناني، مستفيداً من ضغوط المشاريع الغربية والصهيونية الساعية لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية، معتبراً أنّ الوقت قد حان، ليكون جزءاً فاعلاً في مشروع التفتيت والتمزيق، آملاً في أن تكون الدولة الدرزية التي تراود حلمه هدية وثمناً لموقفه، متماهياً مع موقف «الأمير فخرالدين المعني» في معركة «مرج دابق»، مستجدياً إمارته بتقبيله الأرض بين قدمي السلطان العثماني «سليم الاول» مراتٍ سبعا. 
وليد جنبلاط، الإقطاعي في المضمون والجوهر، الإشتراكي في الشكل والمظهر، القابض على السلطة أبا عن جدّ، سليل التعاون مع الخارج، من الأتراك الى التوسكانيين مروراً بالفرنسيين وصولاً الى المحافظين الجدد والقدماء في أميركا، يطالب ويدعو إلى «الربيع العربي»، يُعطي دروساً في الديمقراطية، يعلم حقوق الإنسان، يُحاضر في العدالة الاجتماعية، يتواضع أمام هيبة القانون، يحرص على سيادة الدولة.

وليد جنبلاط نفسه مَن مزّق العلم اللبناني في بيروت وقاتل وقتل أبناءها السنة، ومَن قتل وهجّر المسيحيين في الجبل، وليد جنبلاط مَن احتوى وأضعف الحالة الوطنية في إقطاعته، ومنع الوطنيين من أخذ حقوقهم، ما دفع الياس عطالله حليفه الأقرب، إلى أن يترشح عن مقعد نيابي في طرابلس.
وليد جنبلاط لم يفتح طريقاً واحداً في الجبل. وليد جنبلاط لم يفتح مدرسة واحدة، لم ينشئ مصنعاً أو مؤسسة، لم يشيّد مستشفى، بل لم يفتح مستوصفاً من كفرسلوان حتى الدامور، لدرجة أنّ جرحاه في 7 أيار التي افتعلها، نُقلوا الى مستشفى الساحل. يقبض وليد جنبلاط مئات ملايين الدولارات من السعودية وقطر وليبيا وغيرها ولا يدفع مليوناً واحداً منها لاستمرار مستشفى الجبل.
وليد جنبلاط حين ازدادت عقاراته عشرات الأضعاف في كفريا وجبل الشيخ ووادي التيم، بيعت أوقاف الطائفة الدرزية في بيروت، وبيعت عقارات الدروز في الشويفات وعرمون وبشامون والمتن الأعلى وعاليه إلى أصحاب الأموال الخليجية.

وليد جنبلاط، رفض استثمار الأموال الفائضة عن ترميم مقام «السيد عبدالله» في عبيه في أيّ مشروع يعطي مردوداً لهذا الصرح أو أن يغذّي الميتم الدرزي، رغم أنها أموال جُمعت بجهد أبناء الطائفة وأموال الطائفة ومصاغ نساء الطائفة وأشغال أرامل الطائفة.
وليد جنبلاط، الذي حكم الطائفة الدرزية وطوّعها بقوة السلاح وشبيحة الحزب الاشتراكي، فرض الناطور والموظف ورئيس الأركان والنواب والوزراء في الحكومات المتلاحقة. ينظّر في إسقاط الديكتاتوريات العربية. وهو القيّم على الطائفة بقوة السلاح وقوة المال منذ خمسة وثلاثين عاماً. لا يقبل التبديل ولا التعديل، ولا يسمَح للرأي الاخر حتى من أتباعه.
في الطائفة الدرزية العديد العديد من الرجالات المميّزين، والكثير الكثير من العقول النيّرة، وأبطال مناضلون، يعشقون الحرية، وشباب يمتلكون قوة التغيير والتقدم.
وليد جنبلاط، انتهى عصر الديكتاتوريات، الربيع الدرزي قادم. 

السابق
هل تكون روسيا متورطة في اسقاط المقاتلة التركية ؟
التالي
عواصف تقتل 12 أمريكياً والملايين بلا كهرباء