تعايشوا مع سلاح المقاومة

الاتكال على طاولة الحوار لمعالجة الأزمة الداخلية أشبه بالاتكال على مجلس الأمن لتحرير فلسطين. الأمر لا يتعلق البتة بقدرات القوى التي تجتمع حول الطاولة. ولا علاقة له بالجهة الداعية ولا بالجهة الراعية، لأن الأزمة السورية، المفتوحة على احتمالات خطيرة للغاية، دلت مرة جديدة، وبقوة الوقائع، على أنه لا علاج للأزمات اللبنانية المتوالدة، ما لم يكن هناك علاج لموقعه وعلاقاته مع محيطه. وهو علاج لا يتعلق بحسابات الطوائف والمجموعات اللبنانية، بل بالدور المفترض بلبنان أن يؤديه. يعني بما تقدر هذه المجموعات على القيام به، وحجم عناصر القوة في هذا الدور لانتزاع مقابل كبير، بحجم الإقرار بالاستقلال الفعلي سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

عندما يقول كثيرون: دعونا من مشكلة السلاح. فهذا لا يعني أنهم موافقون أو راضون عن الواقع. وعندما يقول آخرون: لن نحرك ساكناً قبل حل مشكلة السلاح، فهذا لا يعني أنهم جادون في موقفهم، لأن العنوان ليس هو حقيقة ما يكتب في أوراق مطالبهم. وعندما يقول بعض ثالث: إن مبررات بقاء السلاح أكبر من مبررات نزعه، فهذا لا يعني أنهم يشرحون الأبعاد الاستراتيجية لهذا السلاح، وحيث يقع أمن لبنان ضمن هذه الاستراتيجية وليس خارجها. وبالتالي فهم لا يكذبون، لكنهم ربما لا يقولون كل الحقيقة.

خلاصة كل هذه الأقوال أن ملف سلاح المقاومة غير ممكن التحول الى بند قابل لعلاج حاسم. ولذلك، فإن القوى السياسية المعادية للمقاومة، داخلياً وخارجياً، تحبذ استخدام هذه الورقة لتحقيق مكاسب أخرى، علماً بأن التجربة علمتنا أنه لا يمكن فرض برامج عمل وأجندة مصالح لمجرد أنك ترفع شعاراً بوجه خصومك، بل يظل الأمر مرتبطاً بقدرة هذا الفريق على التأثير في العنوان نفسه. وهنا، يجدر بجمهور الفريق الرافض للسلاح أن يفكر قليلاً، في وقائع من شأنها إجابته عن السؤال الدائم: لماذا لا نصل الى نتيجة؟

بداهة، ليس بمقدور أي طرف لبناني، أو جميع الأطراف أو حشد منها، القيام بعمل ميداني لنزع هذا السلاح. هذه حقيقة لا يمكن القفز فوقها، ولا ينفع معها الحديث عن الهيمنة والترهيب وخلافه. كما أوضحت حروب لبنان مع إسرائيل ومع التدخلات الخارجية، أنه ليس بيد القوى الإقليمية والدولية الحيلة الكفيلة بنزع السلاح. وهذه حقيقة أخرى لا يمكن القفز فوقها، والتلهي بعبارات من نوع «أن العالم لو أراد نزع السلاح لفعل ذلك في ساعتين». كذلك، فإن محاولة نزع الشرعية الشعبية عن سلاح المقاومة باءت بالفشل مرات ومرات. ومن غير المنطقي الرهان على أمر كهذا، ليس بسبب قوة نفوذ «حزب الله» أو تقديمه مساعدات لجمهوره، حيث تغيب الدولة، بل لكون هذا الجمهور اللصيق، المشكّل الآن من غالبية شيعية وأقلية من طوائف أخرى، إنما ينظر الى هذا السلاح على أنه جزء من هويته الوطنية. وبالتالي، فإن هذا الجمهور يرى في المطالبين بنزع السلاح جهات لديها هوية وطنية مختلفة. نعم مختلفة. وهذه حقيقة لا تغطيها عبارات منمّقة عن العدو الإسرائيلي المشترك، ولا عن العلاقات الندية مع الدول الخارجية. فوثائق ويكيليكس وسلوك أبطالها بعد نشرها تدل بقوة على أن هذه الفئة ترى هويتها الوطنية بالتورط في حلف مع الولايات المتحدة، التي يعرفون أنها لا تهتم سوى بمصلحة إسرائيل في المنطقة. وبالتالي، فإن علاقات هؤلاء وسعيهم الى توطيد علاقات لبنان مع الولايات المتحدة يجعلهم يذهبون في كل يوم صوب 17 أيار جديد. وهذا بحد ذاته جوهر نقيض تماماً للهوية الوطنية التي يريدها الجمهور المدافع عن سلاح المقاومة. وفي هذه الحالة، لا يصبح السلاح وسيلة للدفاع عن البلاد بوجه إسرائيل فقط، بل وسيلة ردع للفريق اللبناني الذي لا يمانع في علاقات عادية مع إسرائيل.

ولأن سلاح المقاومة هدفه إسرائيل ومن معها، فهذا يعني أنه يعيش في مناخ وفي سياق يتصل بمجمل الصراع العربي ــــ الإسرائيلي. ومثلما تفكر إسرائيل بانعكاس هذا السلاح على خصومها من الفلسطينيين والعرب، فإن هؤلاء الخصوم يفكرون في سلاح المقاومة كعنصر دعم لهم. وفي الحالتين، تتحول المقاومة في لبنان الى لاعب رئيسي في الصراع مع إسرائيل. وهذا ما يجعل المقاومة لاعباً إقليمياً، يتجاوز دوره حدود لبنان، علماً بأنه لم يثبت حتى الآن أنها تصرفت أو استخدمت هذا السلاح إقليمياً بما ينعكس سلباً على مصالح لبنان. اللهم إلا إذا صدقنا أولئك الجهابذة الذين ينظّرون ليل نهار لكون السلاح مصدر أرقهم وقلة نومهم وانقطاع الكهرباء عنهم، أو تعطل وظائفهم أو النقص في مداخيلهم أو قمع الحريات التي يتمتعون بها. وغالبية هؤلاء يعملون ويعيشون على فتات أنظمة الظلام والتسلط.

لذلك، قد يبدو صعباً على البعض الفهم، أو ربما تتحول الصعوبة في تقبل الواقع سبباً لأعمال جنونية تنطلق من اليأس أو خلافه. لكن حقيقة الأمر، أن وقائع لبنان، تمنع على أبنائه الادعاء اليوم بأنهم في حالة استقلال ناجز، وأن بينهم توافقاً فعلياً، لا لفظياً، على هوية وطنية واحدة. وبالتالي، فإن من غير المنطقي، توقع حل قريب أو سريع لمسألة السلاح. وحتى لا تبدو النصيحة دعوة الى الاستسلام، فليكن الأمر على شكل تعايش. ألا تتعايش الطوائف مع قادة وزعماء من عيّنة المجرمين والقتلة والفاسدين؟ وهل السلاح أكثر خطورة على الأجيال من هؤلاء؟  

السابق
كاتشا ترأس رتبة التثبيت لـ59 عنصرا من الكتيبة الاسبانية
التالي
رفض الردّ