من المستفيد من حالة الفلتان الأمني؟

ما من طرف سياسي سواء في ضفة 8 او في اصطفاف 14 آذار، وما من مسؤول الا ورفع في الآونة الاخيرة عقيرته بالصياح والشكوى من تنامي ظاهرة الفلتان والاهتراء الأمني الممتد تقريباً على طول البلاد وعرضها وخصوصا في العاصمة وضواحيها فضلاً عن سيرورتها مادة الخبر الاساسية في وسائط الاعلام كافة.
فاذا كانت الشكوى والتخوف صارت من هذه الظواهر الصارخة هي القاسم المشترك لكل اطراف النزاع والتنازع فان السؤال الذي ينتصب بالحاح هو اذن من الذي يقف وراء هذه الظاهرة المريبة والمخيفة واستطراداً من ذا الذي يجني منها المكاسب اذا كان هناك من ارباح تتراكم رصيداً في بنك الايام للمقبل من الايام؟
حتى اندلاع الاحداث العاصفة في الساحة السورية كان ثمة ثابتان في عرف كل المراقبين عن كثب للشأن اللبناني وخفاياه:
الاول: ان الأمن والاستقرار هو خط احمر على الجميع حرمة أن يتجاوزه وإن اختار البعض احياناً أن يلعب لعبته على حافته لبعض الوقت، وكانت الفاتحة في "يوم الغضب" الشهير في 25 كانون الثاني عام 2011، وبالتحديد يوم نجحت المعارضة في ذلك في سحب كرسي رئاسة الحكومة من تحت الرئيس سعد الحريري وأخرجته من سدة الحكم الى صف المعارضة.
الثاني: ان ثمة نوعاً من الاقرار من الجميع بأن الطرفين الاساسيين في قوى 8 و14 آذار أي "حزب الله" و"تيار المستقبل" يملك كل منهما في شارعه وميدانه الكلمة الفصل وقدرة التأثير شبه التامة وحصرية النطق باسمه لدرجة ان كل حادث وحدث في الضاحية الجنوبية او في الطريق الجديدة او الشمال او سواها كبيراً كان ام صغيراً كانت الانظار والاصابع تتوجه نحو هذين الطرفين مباشرة باعتبار ان ما من شعرة تسقط من رأس في هذه المناطق الا ويكون بعلم هذين الطرفين او بايحاء منهما.
هذه الصورة النمطية بقيت سائدة حتى توالي فصول التطورات السلبية في سوريا وبالتحديد بعد نحو خمسة اشهر على اندلاع شرارة تلك التطورات وذلك بعدما قررت دول وجهات الانخراط ككيان في المواجهة ضد النظام في سوريا على امل ان تكون عملية اسقاطه مسألة اسابيع او بضعة اشهر على اسوأ تقدير.
فمنذ ذلك الحين اختلطت الاوراق وتشابكت الخطوط، وبالتالي حدثت تكرارا حوادث جمة أخرجت هاتين القوتين عن عرش الامساك بشارعيهما، فكان عليهما ان يواجها وكلٌ بنسبة مختلفة تنامي ضواح خارج ارادتهما.
وكان الامر صارخاً اكثر ما يكون في الشمال حيث وبسرعة قياسية ظهرت قوى ومجموعات بعضها موجود منذ زمن ووجد اللحظة المؤاتية للخروج عن الطوق وبعضها الآخر مستجد وجد اللحظة المناسبة للخروج من الظل والعتمة الى نور الاضواء. وثمة مجال للمزايدة ورفع الصوت عاليا وهو التعاطف مع المتمردين على النظام في دمشق واعتبار ذلك واجباً شرعياً بل فرض عين.
واخذت الأمور منحى دراماتيكيا عصياً على الضبط والاستثمار السياسي في اعقاب الاحداث الاخيرة في الشمال وبالتحديد بعد حادث اعتقال شادي المولوي وظهور المسلحين بالمئات في شوارع عاصمة الشمال وفي اعقاب ظهور ظاهرة الشيخ الاسير في صيدا والتي ترفع شعارات جديدة كل الجدة على القاموس السياسي اللبناني فضلا عن انها "اسرت" عاصمة الجنوب خلف قضبان واقع صعب على المدينة نفسها وأهلها وتاريخها وعلاقاتها بالجوار. كل ذلك يطرح بطبيعته اسئلة حول قدرة التيار الازرق على ادامة قبضته على شارعه من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة بعد اقل من عام، حيث بات لا يخفى ان هذه المعركة ستكون فاصلة ومحسومة في استعادة ما فقده على يد الحكومة الحالية، اذ ان ثمة من يعتقد بأن تقدم السلفيين مجموعات ورموزا قد يخلط الاوراق والمعادلات في الشارع السيئ او قد يدفعه الى احضان الفوضى والفلتان حيث ساعتها كل الاحتمالات واردة، خصوصا اذا لم تنجح الرهانات على سقوط نظام الاسد في سوريا، وهو الرهان المتجدد مع تحديد ايلول المقبل موعداً متجدداً للسقوط المنتظر.
وفي الجهة المقابلة فان "حزب الله" كان مضطراً ايضا وبالتحديد بعد خطف اللبنانيين الـ11 بالقرب من الحدود التركية في حلب ان يأخذ بالاعتبار واقعاً مستجداً يصعب معه ضبط ايقاع شارعه ولجم فوضاه.
المعلوم انه في بداية سريان نبأ الاختطاف نجح ثقل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اخراج الناس الغاضبين من الشارع، على امل وعود بحل قريب لكن تطور الاحداث لاحقاً خصوصاً بعد الاعتصامات المتصلة بمسألة انقطاع التيار الكهربائي وبعد قضية الاعتداء على "الجديد" ثم قطع طريق الجنوب في صيدا فرض معادلة جديدة وواقعاً مستجداً ربما صار يصعب فيه على الحزب استعمال "مونته" على جماعاته.
بطبيعة الحال ليس هناك من خوف لدى الحزب من نمو قوى قد تشكل عامل منافسة له في مسارحه ومعاقله ولكن تدحرج الامور في اتجاه استضعاف الدولة وكسر هيبتها بشكل أكبر، من شأنه أن يصعب الاوضاع ويعقدها على نحو قد يخرج شارع الحرب من يده بشكل فعلي.
أصيبت صورة "حزب الله" النمطية المعروفة لدى شارعه وجمهوره ببعض التصدعات، ولو ان الحزب ما زال يعتبر نفسه رابحاً على المستويين الاستراتيجي لديه وهما:
– الحزب ما انفك ممسكاً بناصية مقاومته ضد اسرائيل، وما زال حاضراً قوياً في معادلة الجنوب، وكل مساعي التشكيك وبمحاصرة السلاح لم تجد نفعاً.
– انه رغم كل العقبات المتتالية التي انتصبت في وجه الحكومة، والناجمة أما عن الحسابات المتناقضة بين مكونات هذه الحكومة، وأما عن قصورها عن اداء ما هو مطلوب منها على كل المستويات لتحجز لها مكاناً في قائمة الحكومات الناجحة، أو بفعل هجمة قوى المعارضة عليها فإن الحكومة استمرت طوال أكثر من عام، بما يعني أن الحزب وحلفاءه ظلوا ممسكين بزمام السلطة التنفيذية.
لكن في موازاة كل ذلك فإن ثمة قناعة لدى المقربين من دوائر القرار في "حزب الله" بأن إذا كان هناك دعم "غربي" وتحديداً اميركي للحكومة، وإذا كان هناك من يعتبر أن طاولة الحوار نفسها هي جزء من عملية اسناد الحكومة ومنعها من التداعي والتهافت، فإن هناك من لا يسوؤه كثيراً رؤية "فلتان" أمني لكن مضبوط و"مدوزن"، بغية اشغال "حزب الله" قبل غيره، والهائه عن الذهاب بعيداً في أي تفكير من شأنه أن يقدم عليه لتوفير سبل الدعم والاسناد للنظام السوري.
وبالطبع قوى المعارضة على اختلافها، لا تبدي انزعاجاً من رؤية حكومة ميقاتي وهي تعيش في حالة ارباك حيال الفلتان الحاصل أو من رؤية الشهر الأمني الذي اطلقته هذه الحكومة وقد مني بضربة موجعة في يومه الاول وعندما أضاءت الاطارات المحترقة عتمة ليل بعض شوارع العاصمة فضلاً من طريق مطار بيروت، لأن كل ذلك يعزز صدقية خطاب هذه المعارضة، لكن ذلك على بداهته لا يعني اطلاقاً ان بامكان المعارضة المضي قدماً وحتى النهاية في الرهان على لعبة "اهتراء" الوضع أكثر فأكثر، لأن ذلك من شأنه أن يفضي الى فراغ وفوضى سيصعب حتماً معرفة ما إذا كان بالامكان بعده اعادة الاوضاع الى نصابها أو بناء سلطة جديدة وانقاض سلطة منهارة، فتلك ولا ريب مغامرة غير مأمونة العواقب. 
 

السابق
النهار: اجتماع جنيف اليوم الفرصة الأخيرة للديبلوماسية والخلافات الأميركية – الروسية حول سوريا قائمة
التالي
أحمد الأسير: أزمة أم فرصة؟