كيف وصلت الفوضى والفلتان الامني الى حدود الفتنة في البلاد ؟

من الواضح أن الخطة الأمنية التي عمل من أجلها وزير الداخلية مروان شربل هي خطوة ضرورية في ظل الفلتان الأمني الذي بلغته الساحة الداخلية، بل يمكن القول إن جهود الوزير شربل تحتاج إلى دعم ومؤازرة ليس فقط من الحكومة وكل الجهات المعنية، بل أيضاً من كل القوى السياسية، بعيداً من التجاذبات والاختلافات بين جميع المكونات الحزبية والتيارات المختلفة، لأن الوقائع على الأرض وصلت في الأسابيع الأخيرة مرحلة خطيرة من التجاوزات على كل المستويات وفي معظم المناطق اللبنانية.

لذلك، فالسؤال الأول الذي لا بد منه في ظل هذا «الدرك» الذي بلغته حال البلاد، ما هي العوامل التي سببت الوصول إلى هذه الأزمة؟
في عودة إلى سياق ما حصل في الشهرين الماضيين ـ تقول مصادر سياسية متابعة ـ يتبين إن تراخي الدولة في تعاطيها مع مجموعة واسعة من الخروقات الأمنية أوصل البلاد إلى هذا المأزق. ولهذا تتوقف المصادر عند مجموعة «سقطات» تعرض لها الوضع الأمني يمكن إبرازها بالآتي:

أولاً: تغاضي الدولة وبعض أجهزتها ومعها قوى سياسية معروفة ـ خاصة فريق «14 آذار» ـ عما حصل ويحصل من تحركات ميدانية لمجموعات كبيرة من العناصر المسلحة وأيضاً من تهريب السلاح إلى سورية. وهذا ما انعكس فلتاناً و»غض طرف» عن تحرك هذه المجموعات بحيث بقيت سياسة «النأي بالنفس» عن أحداث سورية من دون أي ترجمة عملية على أرض الواقع. 

ثانياً: لقد جاءت عملية الظهور العلني بالسلاح في بعض مناطق عكار، ولاحقاً حصول أحداث طرابلس، لتظهر الوجه الضعيف للدولة الذي ينطلق من قاعدة «الأمن بالتراضي»، ولتزيد من حالة الفلتان، خصوصاً أن هذا التراخي ترافق مع حملة غير مسبوقة ضد الجيش اللبناني بهدف تفريغ مناطق الشمال من أي وجود للشرعية وبالأخص الجيش، ما كان له التأثير المباشر على تزايد الحراك «الميليشياوي» في هذه المناطق. وتقول المصادر إن المعطيات الإقليمية والدولية هي التي حالت دون خروج القوى الأمنية من الشمال، لا القرار الحاسم الذي اتخذ على مستوى مؤسسات الدولة، بحيث أن هذه المعطيات أجبرت قوى «14 آذار» وحلفاءها على التراجع عن مخطط ضرب الدولة هناك.

ثالثاً: ان طريقة التعاطي مع الموقوفين «الإسلاميين» من حيث إطلاق سراحهم دون محاكمات أو لجوء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتسهيل إطلاق سراحهم ودفع الكفالات عنهم، كان لها تأثير مباشر في رفع منسوب التجاوزات في غير مكان، وآخرها ما حصل في قصر العدل في بعبدا أول من أمس الأربعاء، على الرغم من أن إبقاء الموقوفين «الإسلاميين» وغيرهم من دون محاكمات مسألة غير مقبولة وتجاوز للأعراف والقوانين.

رابعاً: لقد تعاطت الدولة بكثير من الخفة وغض النظر عن عشرات الحوادث الأمنية التي حصلت في مناطق مختلفة بدءاً من بيروت إلى البقاع والشمال والجنوب، خاصة لناحية اتساع عمليات الخطف أو المشاكل العائلية وحتى لناحية مسائل لها علاقة بأمور أخرى مثل التعدي على قناة «الجديد»، لأن فرض هيبة الدولة كان يتطلب عدم التساهل مع أي كان، بما في ذلك «موضة» حرق الدواليب حتى لو كان القائمون بها لديهم مطالب محقة.

خامساً: لقد بقيت الدولة وأجهزتها المختلفة المعنية شبه غائبة عن كل ما جرى ويجري من عمليات تحريض طائفي ومذهبي، وقد شكلت المقابلة مع الشيخ أحمد الأسير أحد أبرز تجلياتها، رغم أن قناة الجديد كانت قد تقدمت باعتذارات عما جرى بثه من خلال القناة. لكن تطبيق القوانين كان يفرض على الدولة التحرك في اتجاه مختلف يمنع أياً كان من اللجوء إلى التحريض، وبالتالي كان من واجب الدولة والحكومة أن تتحركا لوقف عملية تجاوز الضوابط القانونية في هذه القضايا الحساسة.

سادساً: لقد ساهم سلوك فريق «14 آذار»، وبالأخص نظرته إلى سلاح المقاومة من حيث اعتباره أن هذا السلاح هو المسبب للفلتان الأمني ومقولات «الهيمنة على مؤسسات الدولة» في تشجيع ظواهر الخروج على القانون واللجوء إلى الشارع، وحتى إلى التسلح في كثير من المناطق بدءاً من الشمال والبقاع.

سابعاً: التلكؤ في معالجة قضايا الناس الحياتية والمعيشية، ما شجع أصحاب الحقوق على رفع الصوت بأساليب وأشكال مختلفة للوصول إلى ما يطالبون به، في مقابل انشغال المعنيين بالخلافات السياسية.
انطلاقاً من كل ذلك، تشير المعطيات الى أن الواقع الأمني مهدد بمزيد من الفلتان والتسيب على كل المستويات إذا لم تتضافر كل مؤسسات الدولة مدعومة من كل القوى السياسية الحريصة على استقرار البلاد ومنع الفتنة، بغض النظر عن النوايا الطيبة والإيجابية لوزير الداخلية وسعيه لإعادة ضبط الأمور على الأرض، وبغض النظر عما يمكن أن تنجزه الخطة الأمنية خلال الشهر المعلن عنه، فالقرار الأول يجب أن يكون بمحاسبة المخلين بالأمن وعدم تحميل عنصر الأمن المسؤولية عن فرض القانون.

السابق
العلة والسبب
التالي
الهرمونات الأنثوية واللثة !