العلة والسبب

نحن من القائلين بحرية التعبير بأشكال مختلفة بما فيها التظاهر، فذلك حق نصّ عليه الدستور وكرّسته كل دساتير الأنظمة الديمقراطية في العالم، لكنها جميعاً ومن دون استثناء نصّت على مبدأ عام، وهو أن حرية المرء تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأن الحرية مُصانة شرط أن تحترم القانون العام، ولا تتجاوزه.
وبناء على ما تقدّم نستغرب انتقاد البعض من هنا ومن هناك لظاهرة الشيخ الأسير في الاعتصام وقطع الطرقات، وإذا كنّا من المؤيّدين لأي اعتصام يقوم فيه أي طرف، ولأي سبب كان ما دام هذا الاعتصام يراعي القوانين ويحترمها ولا يتجاوزها كأن يُقدم مثلاً بإسم حرية التظاهر والاعتصام على قطع الطرق ومنع الآخرين من حقهم المقدّس في المرور فعندها يكون تجاوز حدوده، وخرج على القانون ووجب أن يتحمّل مسؤولية عمله.
ونرى أن اعتصام الشيخ الأسير ومؤيديه في صيدا أمر مشروع ومُصان بموجب الدستور والقوانين، بشرط أن لا يتجاوز حدّ القانون، والحدّ هنا، الامتناع عن قطع الطريق العام، التي تُستخدم من قبل اللبنانيين جميعاً، كحق مقدّس أيضاً لهم، لا يجوز لأي جهة، مهما علت، ومهما كانت مبرراتها أن تتطاول على هذا الحق.
ولكن إذا نظرنا إلى ما هو حاصل في لبنان، من قطع طرقات المطار، وحماية القتلة وشذّاذ الأفق من أن تطالهم يد العدالة، وعدم احترام القوانين، والاعتداء على الأجهزة الأمنية في وضح النهار كما الاعتداء على وسائل الإعلام، وعلى الإعلاميين، كما حصل بالنسبة إلى تلفزيون «الجديد»، وما رافق وسبق ولحق بهذا الاعتداء، من ملابسات، وتهديد، ووعيد وترغيب وترهيب، يصبح تصرّف الشيخ الأسير طبيعياً وبديهياً لأنه يأتي في السياق نفسه، أي في سياق الاعتداء على الدولة وضرب هيبتها، وفي سياق الاستكبار والاعتداد بالنفس وبالقوة التي يمتلكونها، والتي باتت تهدّد الدولة بكل أركانها، وتهدّد السلم الأهلي، فضلاً عن تجاوزها لكل القوانين والدساتير الأمر الذي من شأنه أن يجعل الخطوة التي أقدم عليها الشيخ الأسير عادية، بل مبرّرة لأنها تأتي كردّ فعل على ما يحصل على مستوى الوطن من تجاوزات للقوانين المرعية الاجراء، ومن افتئات على الدولة وإمعان في ضرب هيبتها، ومن إمعان في التعدي على الآخرين، الشركاء في الوطن، وعلى كل حقوقهم.
فما يُطالب به الشيخ الأسير ليس بمستحيل التحقيق، وهو ما يطالب به أكثرية الشعب اللبناني، وهو سحب سلاح حزب الله من أيدي الناس وتسليمه أو وضعه في تصرّف الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بوصفه المسؤول عن حماية الوطن والشعب، وتوفير الأمن للجميع ولا يجوز أن يشاركه في هذه المسؤولية أحد أياً كان هذا الأحد، وما يطالب به المجتمعون حول طاولة الحوار الوطني بوصفه العقدة المتبقية، والتي تمنع اللبنانيين من أن ينعموا بالاطمئنان والاستقرار، وتمنع الدولة من أن تمارس سلطاتها على شعبها وبالتالي لا نرى ثمّة مبررا للضجة المقامة ضد الاعتصام، ما دام أحد لا يتحدث عن أسباب هذا الاعتصام. 
 

السابق
لماذا أُدخِل الإعلام السوري في دائرة الاستهداف الإرهابي؟
التالي
كيف وصلت الفوضى والفلتان الامني الى حدود الفتنة في البلاد ؟