أوهـام جنيـف

لن يشكل مؤتمر جنيف المقرر اليوم منعطفاً في مسار البحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، بل مجرد مؤشر جديد ان المجتمع الدولي ليس جاهزا بعد لإنهاء تلك الازمة وهو يفتش عن مبررات إضافية لترك السوريين يغرقون بدمائهم.
فكرة المؤتمر هي في المقام الاول تسليم بفشل خطة المبعوث العربي والدولي كوفي أنان وفريق مراقبيه، وبالحاجة الى طرح مبادرة سياسية بديلة، تقفز الى الحل البعيد المدى الذي يقوم على إرساء أسس العملية الانتقالية من النظام الحالي الى نظام تعددي ديموقراطي جديد.. يعرف أبسط المتابعين للصراع الداخلي أنه ما زال حلما، أو حتى خيالا. فالمقابلة التي أجراها الرئيس بشار الاسد مع التلفزيون الايراني بالذات لا توحي بأنه بات مستعدا للتخلي عن الحل الأمني والعسكري، أو للتضحية بمشروعه للاصلاح السياسي، الذي انحدر الى مستوى وزارة للمصالحة الوطنية في الحكومة السورية الجديدة، جاهزة لقبول طلبات المعارضة بالعودة الى الحوار تحت سقف النظام!
الحسم الأمني والعسكري هو الخيار الوحيد للنظام، هذا ما قاله الاسد بالتحديد، وهذا ما يدفع المعارضة ايضا الى اعتبار ذلك الحسم ملاذها ومخرجها الوحيد. وهو ليس موقفا تكتيكيا من الجانبين يسبق مؤتمر جنيف ويسعى الى فرض تعديل شروط التفاوض والتسوية. بل هذا هو الواقع كما يراه الجانبان، بناء على وقائع ومعطيات دقيقة جدا.. لسوء حظ السوريين جميعا.
في ضوء هذا التحليل الثنائي المخيف لطبيعة الصراع الدموي، يصبح مؤتمر جنيف مزحة ديبلوماسية غير ملائمة، من شأنها أن تسهم في تأجيج الصراع.. وفي توضيح مواقف معروفة سلفا، لم يخرقها سوى الخطأ السياسي الفادح الذي ارتكبه المبعوث الدولي كوفي أنان عندما اقترح دعوة ايران الى مؤتمر يفترض أن من وظائفه الرئيسية إنهاء النفوذ الايراني في سوريا.. وهو ما كاد يحول دون انعقاده اليوم، نتيجة الاعتراضات العربية (والتركية) الشديدة على هذا الاقتراح.
لكن من شأن المؤتمر أن يختبر التحول في الموقف الروسي الذي تدرج من الاحتجاج على أي تدخل خارجي في الوضع السوري الى الاكتفاء بالمراقبة المعطلة لجهود ما كان يسمى بـ«أصدقاء سوريا»، الى الانضمام الى مجموعة إقليمية ودولية يفترض أن تؤسس اليوم في جنيف على أن تكون جاهزة لتحديد أطر العملية الانتقالية في سوريا والإشراف على تنفيذها، عندما يفرغ السوريون من تجربة الحسم العسكري والأمني.
ومثل هذا التحول يعني أن موسكو التي سبق أن أصرّت على إشراك ايران في مؤتمر جنيف توسع المسافة التي تفصلها عن طهران ودمشق، من دون أن يؤدي ذلك الى القطيعة التي تحرمها من مهمة إيجاد المخرج من الأزمة السورية التي أوكلت اليها في الفترة الماضية من دون جدوى.
مرة اخرى، ستعاد الأزمة السورية الى جذورها، وسيبذل المجتمع الدولي جهداً جباراً لإبقائها داخل حدودها المحلية، بما يتيح لمؤتمر جنيف ضبط أي أوهام إقليمية أو دولية حول مستقبل سوريا.
 
 

السابق
الحرب على الأبواب
التالي
النهار: اجتماع جنيف اليوم الفرصة الأخيرة للديبلوماسية والخلافات الأميركية – الروسية حول سوريا قائمة