هيبة الجيش والسلم الأهلي

 حكم الدور الحقيقي للجيش اللبناني المناقبية العسكرية بأقانيمها المعنوية الثلاثة: «شرف، تضحية، وفاء» التي تصنع اللحمة في البنية العسكريّة فتبعث الانضباط، ومنه تتكوّن طاعة المرؤوس التامة لرئيسه الذي لا يُصدر الأوامر إلا بعد أن يجري حسابًا دقيقًا لنتائج المهمة التي يكلّف جنوده بها، فلا يُقام وزن للاعتبارات الذاتية ولا للمصالح الشخصية لأيٍّ كان.
والجيش اللبناني، على محدودية إمكانياته اللوجستية، من أكثر الجيوش انضباطًا وهو يحظى باحترام الجميع بأهوائهم وميولهم، وقد اجتاز اختبارات عدة برهن فيها أنه المرجع الصالح الذي يُعتمد عليه في درء الفتن والبلبلة وإشاعة الفوضى.
حافظت المؤسسة العسكرية في لبنان على استقلالها مع التزامها الكامل بالتقيّد بالقوانين التي تسنّها السلطة المدنية بصورة كاملة! وهذا أمر تفرّدت به فميّزها عن جميع الجيوش في المنطقة.
تتحلّى القيادة العسكرية بالمناقبية وروح المسؤولية، وهي ضنينة بالأفراد من مدنيين وعسكريين، وعندما تضطر للتدخّل تضع نصب أعينها فرض الأمن وإحلال السلم الأهلي وتعزيز سلطة الدولة لا التسلّط. وما إن يستتبّ الأمن حتى تصدر الأوامر إلى الجنود بالعودة إلى ثكناتهم.

لقد حمى المسؤولون، الذين تعاقبوا على قيادة الجيش ونخصّ بالذكر العماد جان قهوجي الذي حافظ على مبدأ الانضباط العسكري، هذه المؤسسة من تدخلات السياسيين في شؤونها الداخلية؛ لأن السياسة قادرة على إفسادها وتشتيت مراميها السامية، فلا يمكن للسياسي اكتناه المناقبية العسكرية بأبعادها المعنوية والانضباطية والوطنية.
والفرق بين الجندي ( مهما كانت رتبته) وبين السياسي فرق بسيط وهائل في الوقت نفسه، ويتلخص بموقع حرف (اللام): «فيهب الجندي نفسه لمصالح الدولة، بينما يهب السياسي لنفسه مصالح الدولة»! وشتان ما بين الأمرين. وفي فرنسا وهي دولة عظمى أصبح استعمال لفظة سياسي politicien على سبيل التجريح à titre péjoratif، و استبدلوها بعبارة الرجل السياسي L’Homme Politique للدلالة على رجل الدولة، اعتبارًا من العقدين الأخيرين من القرن العشرين للارتكابات التي حفل بها النظام الفرنسي من تورّطات السياسيين؛ والشواهد عديدة من أعلى الهرم السياسي إلى سواه.
التشكيك بالجيش جريمة، وتعريضه للبازار السياسي بما يصاحبه من تداعيات، قد تنال من هيبة الجيش؛ وأي تعرّض لهيبة الجيش يؤدّي حتمًا إلى التفريط بهيبة الدولة، وبالتالي إلى تقويضها من الأساس، فيتلاشى السلم الأهلي وتحلّ الفوضى محلّ النظام، وما تزال أحداث العامين(1975-1976) حاضرة في الأذهان حين بقي الجيش اللبناني في ثكناته فتفكّكت الدولة و تبعثرت مؤسّساتها و سادت شريعة الغاب.

تكمن قوة الجيش في هيبته، وفي التفاف الشعب حوله، وبخاصة في هذا الزمن العربيّ المحاصر بالخطط، والمفتوح على احتمالات تشي بنتائج سلبيّة، لا يمكن تحقيقها بوجود جيش انضباطي، لذلك تصوّب إلى المؤسسات العسكريّة اتّهامات وضربات للنيل من هيبته ودوره الوطنيّ وتغييبه عن المهمة الشريفة والأساس التي أنشئ من أجلها.
تدفع روح المواطنة الصالحة كلّ مواطن شريف لأن ينحني أمام تضحيات الجيش اللبنانيّ الساهر على أمن الوطن والمواطن، وأن تنزّهه عن أيّ اتّهام يعتقد أنّه ينال من هيبته؛ فليبقَ الجيش في مأمن من الصراعات السياسيّة، ليظلّ علم الوطن خفّاقًا فوق رؤوس مواطنين آمنوا بأنّ لبنان هو الوطن النهائي لكل أبنائه الشرفاء، وأنّ جيشه هو القوة الوحيدة والحقيقية في ضمان الأمن والسلم الأهليين، فلنحمِه بأشفار العيون،لأنه الضمانة الوحيدة، وبه تتكرّس الوحدة الوطنية وتفشل المخططات الهادفة إلى زعزعة الهيبة، وإقلاق السلم والأمن، واستدراج الفتن، والاقتتال.

والنجاة لن تكون برغوة الأفكار وزبد الأماني بل بالوعي المدرك لدور كل فرد في العمل لإنقاذ الوطن مما يحيق به من أخطار وبالمواطنة الصادقة وأساسها الإيمان المطلق بدور الجيش الوطني «خشبة الخلاص»، وبالثقة الكاملة بقيادته الحكيمة الساهرة على أمن الوطن والمواطن، وعلى التخفيف من نتائج أزمات تعصف بالمنطقة.   

السابق
آخر المعلومات: فدية ضخمة لشراء سلاح نوعي والإفراج عنهم على دفعتين
التالي
جدار الخوف اللبناني