سياسات مجموعة الاتصال وحال الحرب الحقيقية

الرئيس بشار الأسد يلعب ورقة القوة الى النهاية في مسار تحكمت به القوة من البداية. فلا أعضاء الحكومة الجديدة فاجأهم قوله: نحن نعيش حالة حرب حقيقية بكل معنى الكلمة، وهم مثل سواهم منذ 16 شهراً في مناخ الحديث عن مواجهة حرب كونية على سوريا. ولا القوى الإقليمية والدولية التي تقف على خط الدفاع الأول عن النظام وتلك التي تعمل ضده وتحاصره بالعقوبات وتسلح وتمول معارضيه، فوجئت بإصراره على توجيه كل الإمكانات والسياسات من أجل الانتصار.
والكل في الداخل والخارج يعرف أن في سوريا أزمة حقيقية عميقة، لم تحلها القوة، ولا حجبها الإنكار أو تقليل الحجم، ولا جعلتها عسكرة المعارضة أقرب الى الحسم. وهي أزمة لا مجال فيها للانتصار، ولا حل لها الا بالسياسة من أجل الانتقال الديمقراطي للسلطة. لكن الحل السياسي الذي يسلم به الجميع في الخطاب يبدو عملياً أسير مأزق كامل. فالمبادرة العربية سقطت سريعاً. وخطة كوفي أنان السداسية المدعومة بقرارين في مجلس الأمن والمتوافق عليها بين دمشق والموفد الخاص صارت في حاجة الى إنقاذ لتبقى على الطاولة.

ذلك ان ما لم يقله انان قاله من كان مدير مكتب الاتصال للأمين العام في أيامه ادوارد مورتيمور. موجزه ان أنان جاء متأخراً جداً لمنع حرب أهلية، ومبكراً جداً لوقفها. وهو ايضاً انه لو كانت لدى المجموعة الدولية استراتيجية لإخراج الأسد سريعاً من السلطة من دون تغطيس سوريا في صراع طائفي طويل، لما كانت مهمة أنان ضرورية.
ولا أحد يعرف ما الذي يمكن ان يحدث في اجتماع مجموعة الاتصال الذي طلبه أنان، ودعيت اليه الدول الخمس الكبرى وتركيا والعراق والكويت وقطر، من دون ايران التي رفض الغرب دعوتها وسط حماسة روسيا وأنان لها. لكن الجدل حول ايران هو الشجرة التي تحجب الغابة. فالمشكلة هي الخلاف بين موسكو والغرب على خارطة الطريق المفصّلة لما يتفقان على عنوانه العريض، اي مبادئ الانتقال السياسي. وأسباب الخلاف متعددة بما يجعل الظروف ليست ناضجة للصفقة.
والمفارقة في الخلاف هي ذهاب الجميع الى الحد الأقصى في تدويل الوضع السوري والتدخل الخارجي فيه، ثم الحديث عن حل سياسي من دون تدخل بالحوار بين السوريين، فالحوار صعب ان لم تكن الأحداث تجاوزته. والتدويل فتح سوريا على كل المخاطر من دون تقديم الفرص للحل. وليس الكلام السياسي في جنيف والحرب الحقيقية في سوريا سوى وجهين لعملة واحدة.  

السابق
خفة تلفزيون إسرائيلي
التالي
روسيا من الداخل: سورية قضية أمن قومي !