سلاح يبحث عن وظيفة

ثمة نظام مصالح اقليمي يتفكك وآخر يتشكل. هذا جوهر التحدي الذي يواجهه حزب الله اليوم باعتباره امتداداً لهذا النظام الآخذ في التفكك في حلقاته السورية والفلسطينية وغيرها، من دون ان تتضح بعد مآلات هذا التحول. فالأزمة السورية فاجأت العديد من المراقبين لجهة العلاقة العضوية التي تربط ايران وبالتالي حزب الله بالنظام السوري. فحجم التطورات السورية لم يدفع لا ال"حزب" أومؤسسته الام الى محاولة فتح باب خيارات بديلة في العلاقة مع سورية .
وها هي الايديولوجيا الاسلامية تتراجع لديه كهوية سياسية وفكرية شكلت مدخلا له على مختلف الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي منذ تأسيسه. فبعد وصول هذه التيارات الى السلطة كما هي الحال في مصر وتونس، بدا قلقا، رغم برقيات التهنئة بالفوز التي طارت من حارة حريك الى هذه التيارات. فوز الاسلاميين العرب، وتحديدا حركة الاخوان المسلمين، يعيد تركيب نظام مصالح جديد على هذا المستوى بدأ يتعامل بندية مع نظام مصالح مقابل مثلته ايران منذ انتصار ثورتها في العام 1979.

فالحركة الاسلامية الام في مصر بعد الثورة، استعادت قدرتها على جذب ابنائها وفي مقدمهم حركة حماس التي عادت الى رحمها، تاركة بلطف حضنا اضطراريا مثلته ايران وسورية نحو 15 عامًا على الاقل، وهكذا دواليك. ثمة دينامية اطلقها الربيع العربي في هذا الاتجاه الذي سيفرض، ولو من دون قصد بل بحكم الواقع ونظام المصالح الوطنية والعربية، مزيدا من تراجع ايراني في قدرته على التحكم او التأثير في الحركات الاسلامية ذات الجذر الاسلامي السني. وبالتالي فإن تحكم ايران في ادارة ملف المقاومة الاسلامية في فلسطين بات من الماضي. الا اذا كان هذا الحضور قابلاً لأن يدرج نفوذه وقدراته في سياق سياسي جديد يعترف بزعامة اسلامية جديدة في العالم العربي عنوانها عربي سني وليس شيعيا او ايرانيا.

في لبنان يتحسس حزب الله هذه التداعيات لأن الاتين الى السلطة لا يمكنه الانتقاص من تاريخهم ومواقفهم حيال القضية الفلسطينية، او الاستخفاف بتراثهم الاسلامي وحتى السياسي كما الحال مع الانطمة العربية المتهاوية.
"عدة الشغل" واحدة لا بل لحى الاسلاميين الجدد اطول وكذلك الزّي، والشعارات وحبهم لفلسطين كل ذلك موجود واكثر من حزب الله.
ومع التزام حزب الله دعم النظام السوري، وفي موازاة حال الارتياب لديه مما يحمله الربيع العربي، تفرض عليه البحث في الخيارات، خصوصا ان هذا الارتياب يزيد من اقتناعه ان دينامية الربيع العربي في لبنان تمظهرت بسنية سياسية صاعدة ساهمت في هزّ ركائز نظرية او منظومة الاكتفاء الذاتي التي اعتمدها منذ تأسيسه الى اليوم. فلم يعد الدعم الايراني المادي والعسكري، "الوحيد" لحزب الله، يستطيع بمفرده حماية هذه المنظومة ، ولم يعد قادرا على ان يوفر حماية نظام مصالح متغلغل ومتحكم في مفاصل مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية بالنسبة اليه. كما لم تعد المقاومة وحدها قادرة على ضمان تأمين الغطاء لهذا النفوذ. الخوف الشيعي وحده ايضا لا يكفي لحماية السلاح وتبريره في وجه التحولات الجارية، واذا كانت فكرة الدولة بدأت تلوح في افق تفكير حزب الله كحصن، فهي بدأت تكتسب حضورا مختلفا في النبرة لديه، في لقاءات يجريها بعيدا من الاضواء مع نخب لبنانية ومسيحية دينية وفكرية بشكل خاص، تترافق مع حديث عن تهديد متنام للاقليات مع التحولات المحيطة بلبنان مع استحضار تجربة مسيحيي العراق. وهذه اللقاءات ينقل احد المشاركين فيها انها تنضح وللمرة الاولى بلغة جديدة من حزب الله لغة تحتمل النقاش وليست مقدسة.

لكن ما يمكن التوقف عنده، في ظل ادراك الجميع حيوية السلاح لدى حزب الله، ان ثمة محاولة لايجاد وظيفة جديدة لهذا السلاح، تحد من تنامي الداعين الى نزعه او الى مشاركة الدولة فيه، وهي وظيفة ثمة من يراهن على ان مبرراتها ستترسخ في الآتي من الايام: وظيفة حماية الاقليات في بلاد الشام، ومنها لبنان. وظيفة تفترض احداث اختراقات سياسية اضافية في البنية السياسية المسيحية تطال مواقع سياسية جديدة باعتبار ان هذه الوظيفة يعجز العماد ميشال عون وحده ان يسوقها مسيحيا.
حزب الله في طور الانتقال الى التفكير بعقلية الاضعف، لكنه ما زال يتصرف بعقلية الاقوى!
 

السابق
آبادي: نسعى لتنفيذ الإتفاقيات مع لبنان بكامل بنودها
التالي
عزيزي القاريء، أنت تحت المراقبة