خفة تلفزيون إسرائيلي

تلقف موالون للنظام السوري هدية مجانية قدمها لهم تلفزيون إسرائيلي، فقد عرضت إحدى القنوات الإسرائيلية فيلما قصيرا يتناول أشخاصا وصفهم مقدم الفيلم ومعده بأنهم «ناشطون» يخاطرون بدخول أراض «معادية» من أجل تقديم مساعدة للاجئين السوريين. جرى تقديم الفيلم بعبارات منها: «الأسد يذبح السوريين بينما العالم صامت، هناك من يفعل شيئا وهم.. إسرائيليون».
تكفي إشارات من هذا النوع ليغتبط «الغيارى» على الحقوق العربية ليشرعوا في النيل من ضائقة اللاجئين السوريين المحاصرين في بلدهم وفي ملاذاتهم غير الآمنة خارج سوريا والتشكيك بها ونسبها إلى مؤامرات صهيونية غربية.
عرض الفيلم الإسرائيلي كيف تخفى أشخاص بزي بدوي ودخلوا الأردن (من دون تسميته) إلى مناطق اللاجئين السوريين يتوددون لهم وبعد أن يعطوهم حفنة مؤن يقولون لهم إنهم إسرائيليون وينتظرون مصوبين كاميراتهم مباشرة على وجوههم لالتقاط ردود فعلهم التي كثيرا ما غلبها الذهول والارتباك. هناك سيدة يحتاج زوجها إلى عملية وإلا فقد بصره جراء ما تعرض له على يد «شبيحة» النظام، لكن ما إن عرفت أن مقدمي المساعدة إسرائيليون حتى أجهشت بالبكاء، لأن فقدان زوجها البصر هو خيارها الوحيد إزاء هذا الحل الماثل أمامها.
يختتم الفيلم بكلام لأحد المشاركين الإسرائيليين بأسئلة عن حقيقة العداء بين السوريين والعرب والإسرائيليين، وما إذا كان الإسرائيلي الذي يقدم مساعدة إلى سوري نازح اليوم سيعود ويتعرض لسلاح من السوري هذا نفسه مستقبلا..

لا شك أن عرض فيلم على هذا النحو الذي جرى تقديمه يحمل الكثير من الخبث والإسقاطات التي لا يتحمل اللاجئون السوريون عبئها، بل ومن الظلم الفادح وضعهم في مثل هذه المواقف الآن وهم في ذروة مأساتهم.
هل هناك ابتذال أكثر من فتح آفاق علاج لزوج سيدة سورية وإنقاذ بصره لكن.. في إسرائيل؟
لن يضيف مثل هذا الفيلم جديدا على محنة السوريين، ولن يؤثر في الموقف الإسرائيلي الرسمي المنحاز منذ اليوم الأول للثورة إلى النظام لأنه يرى فيه استقرارا للحدود الإسرائيلية مع سوريا، وهو موقف لم تخفف منه تصريحات صدرت مؤخرا تدين بشكل محدود العنف الأعمى ضد الشعب السوري.
بطبيعة الحال، لن ينجلي الصراع العربي – الإسرائيلي من خلال مشهد مساعدات موظفة في صورة تلفزيونية كما طرح علينا الفيلم، ثم إن وهم اقتصار المساعدات على ما صوره التلفزيون الإسرائيلي لا ينطلي على أحد.

طبعا من المبكر البحث بالاستحقاق الإسرائيلي في مستقبل سوريا، لكن استعجال القناة التلفزيونية الإسرائيلية للاستثمار في المأساة المفتوحة للاجئين السوريين يؤشر أولا إلى خفة في فهم مأزق العلاقة المستقبلية بين «الربيع العربي» وقضية الصراع مع إسرائيل، ويؤشر ثانيا إلى انعدام حساسية إنسانية.
محاولة إثبات «أخلاقية» ناشطين إسرائيليين عبر وضع اللاجئين السوريين أمام اختبارات تتعلق بالموقف من إسرائيل بدت محاولة رخيصة لن تنال من المحنة السورية ونبل مقاصدها.  

السابق
اغتيال قيادي في حركة حماس في دمشق
التالي
سياسات مجموعة الاتصال وحال الحرب الحقيقية