الفلتان.. وفضائله

الدربكة الشارعية الفالتة في بيروت هذه الأيام تفرض إعادة النظر بما كان يُظن في أداء "حزب الله" وسياسته حيال الفلتان الأمني وظواهره الاجتماعية في الضاحية الجنوبية وغيرها.
قيل ويُقال، إن الحزب يعاني من تبعات ظواهر التفلّت التي استشرت في مناطق نفوذه، وإنه يقف عاجزاً أمامها، وأنه حاول وفشل في الحدّ منها ومن تأثيراتها على مناخه المقاوم، وأنه سبق وأن جرّب طرح ما يمكن من ضوابط للجمها، في الفتوى الدينية تارة، وفي حملة "النظام من الإيمان" تارة أخرى، وفي دعوة القوى الأمنية الرسمية الى "ممارسة دورها" تارة ثالثة، وبإجراءات غير منظورة تارة رابعة، غير أن كل ذلك لم ينفع، بل ازداد التفلّت اتساعاً وصخباً وجرأة كمّاً ونوعاً!.
لكن ما تكشف من محاولة إحراق تلفزيون "الجديد" وما كان يُفترض أن يليها، ثم من كيفية تعامله إعلامياً وتنظيمياً وشارعياً مع اعتقال أحد المنفّذين، كل ذلك في جملته يفيد بأن السالفة الخاصة بانزعاجه وتضرره مما يحصل ليست دقيقة ولا علاقة لها بحقيقة الأمر!.

.. كان التفلّت في البداية مزعجاً بالنسبة إليه، لكنه صار راهناً، فرصة للاستثمار السياسي.. وفي أعلى مراتب ذلك الاستثمار إبلاغ المطالبين بمعالجة سلاحه وضبّه في عباءة الدولة ومؤسساتها، أن الرد عليهم لا يكون في طاولة الحوار إلا شكلياً، وفي الشارع فعلياً! 7 أيار مكرّر، سيكون خطيئة غير محسوبة النتائج والنهايات، لكن استبدال ذلك، بظواهر مشتقة من "روح" ذلك اليوم أمر آخر: قطع طرق وظهور مسلّح، وشبه مسلّح، ودخول الى مناطق ذات حساسية معينة، وازدراء السلطة الرسمية ومبانيها وأراضيها وقواها الأمنية، وتسريب خبريات "المناورات الصامتة" للسيطرة على الأرض إذا استدعت الضرورة! وإشغال اللبنانيين في الإجمال وفي العاصمة تحديداً، بحوادث متفرقة تذكّر في جملتها بـ"موازين القوى" وترفد في محصّلتها مطالب سلطوية يحتاج لبنان الى أن يتدمر عشر مرات تماماً بتاتاً، قبل بدء البحث فيها!.

يأخذ الحزب اللبنانيين، في عيشهم وأمنهم واقتصادهم وسياحتهم وإنمائهم وإعلامهم ونظامهم، رهائن طموحاته وحساباته وسياساته المحلية والإقليمية، ويستخدم ما "تيسّر" منهم لتنفيذ أجندة سريعة تتصل بأزمة حلفائه القريبين في دمشق، وبحوار حلفائه البعيدين في طهران، مع الغرب وأهل الغرب.. يتحرك وفق منظومة متكاملة ويظنّ أنها محسوبة: خسائر الفلتان عابرة إنما تغيير النظام السياسي ليتلاءم مع "لحظة" الصواريخ والبنى التنظيمية المؤدلجة والحديدية مسألة تاريخية.
وخسائر الفلتان مؤذية لكن السماح بسقوط نظام الأسد من دون محاولة مساعدته ولو بالفتنة في لبنان مسألة مدمّرة. وخسائر الفلتان مضرّة لكن عدم تذكير المحاورين الغربيين مع إيران بورقتها اللبنانية أكثر ضرراً بما لا يُقاس. والفلتان الأمني مزعج لكن سياسة "الإحياء المذهبي" الممتدة على معظم مساحته الجغرافية الإسلامية، تستحق وتستأهل كل "تضحية" ممكنة!.
 

السابق
جدار الخوف اللبناني
التالي
الخوف من الولادة يطيل مدّتها