مصر بعد مرسي

أخيراً ظهرت نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية، وأظهرت نجاح ممثل الأخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي، الذي اعتبر أول رئيس مدني لمصر في تاريخها الحديث، وكان فوزه من خلال صناديق الاقتراع أياً كان رأينا في الديموقراطية المنقوصة وعدد المشاركين بالاقتراع من مجمل من يحق لهم الانتخاب، وأن نصف هؤلاء المشاركين قد صوتوا ضده، فنصره لم يكن ساحقاً برأينا ولكنه لم يكن أيضاً على غرار النتائج العربية في العقود السابقة التي تصل إلى 99.9 في المئة، ورغم ما شاب الانتخابات ما شابها إلا أنها لم تصل إلى التزوير الفج.

لكننا بلا شك تساءلنا جميعاً عن سبب تأجيل فرز النتائج، الذي اعتبره بعض المراقبين سياسياً وليس إجرائياً، تم من خلاله عقد صفقات بين الأخوان المسلمين والمجلس العسكري، يشبه الصفقة التي تمت في البداية بينهما بحيث يحصل الأخوان على الرئاسات الثلاث الجمهورية والوزراء ومجلس الشعب في مقابل عدم المساس بالرئيس السابق حسني مبارك وعدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد والمصالح الأميركية، في مقابل تهدئة الشارع وثوار ميدان التحرير، وهو ما دعا الأخوان إلى تكفير التظاهر ورفض الاستفتاء على التعديلات الدستورية (قل نعم للجنة).

وهذا ما جعل الأخوان يصرحون بأنهم لن يستولوا على غالبية مجلس الشعب ولن يرشحوا عضواً لرئاسة الجمهورية، ولكن خلال فترة زمنية قصيرة تم نقض كل هذه الوعود، وتم الاستحواذ حتى على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وهو ما دفع المجلس العسكري لحل مجلس الشعب وإنزال أحمد شفيق لمعركة الانتخابات الرئاسية باعتباره ممثلاً للنظام القديم والعسكر في مقابل الأخوان.
والمشكلة أن الأخوان قد وعدوا الجماهير أنهم سيسقطون الإعلان الدستوري المكمل والرجوع إلى الشارع، ولمعرفة المجلس العسكري لبرغماتية الأخوان وتلونهم وتقلبهم السريع، تمت الصفقة في فترة النظر بالطعون الانتخابية، فهل سيقسم مرسي أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، أم سيصر كما وعد الجماهير أنه سيقسم أمام مجلس الشعب أو أمام جماهير ميدان التحرير كما تردد؟ وذلك في موعد أقصاه 30 يونيو الجاري كما نص عليه الإعلان الدستوري المكمل.
نجح مرسي وسمعنا خطابه الأول الذي كان يشبه خطبة جمعة ولم يكن يشبه خطاباً سياسياً، هذا الخطاب الذي كرر فيه أكثر من مرة أنه سيحافظ على جميع المعاهدات الدولية، في إشارة إلى معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل، في محاولة لطمأنة الولايات المتحدة واسرائيل إلى أن مصر ستكمل مشوار التبعية الاقتصادية والسياسية والارتهان للغرب.

قلنا في مقال سابق سواء نجح شفيق أم مرسي، فأي منهما لن يقود مصر إلى التطور الاجتماعي الديموقراطي المستقل، بل سيعمل من أجل تعزيز المصالح الأميركية والاسرائيلية في أرض الكنانة.
وفي فيلم وثائقي عرضته قناة العربية بالصوت والصورة، بين أن محمد مرسي عندما كان عضواً في مجلس الشعب قد برر هجمات 11 سبتمبر، كما أدان إسرائيل والولايات المتحدة بعنف وشدة، وهو ما يعطينا مؤشرا على مستقبل الوعود التي فرح لها الإنسان المصري الذي عانى طويلاً من أنظمة الاستبداد والقهر، وهو مؤشر أيضاً على مستقبل مصر الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.  

السابق
عجوزان في سوريا
التالي
الصمت على الزور والشهادة به