متى يحترمون تواقيعهم؟

سمع اللبنانيون منذ مطلع أيار الماضي وحتى الجولة الأخيرة من حوار بعبدا عبارة "سحب الغطاء عن المسلحين" عشرات المرّات، فيما تتولى زمر المسلحين وشللهم الناشئة سحب كل الأغطية ونزع كل بقايا هيبة الدولة والسلطة ومعها كل ماء الوجوه للقوى الحزبية والسياسية حتى تلك الزاعمة امتلاك قدرة السيطرة على الشارع. ولأن التسيب الأمني لا يترك مجالا لاي تستر ومواربة، فلا نفع من لغة رسمية وسياسية خشبية تجمّل القباحات فيما ينطق الشارع صارخاً بأبشع الحقائق.
هذا الذي جرى في ليل بيروت بعد الاعتداء على محطة "نيو. تي. في"، هو وجه من وجوه السباق الميليشيوي الفاقع في حرب مذهبية مكشوفة.
في بيروت كما في طرابلس وعكار من قبل وكما في الضاحية، تبرز "طبقة جديدة" من الميليشيات التي يقال انها عاصية على القوى الوازنة، سنية كانت أم شيعية. انه جيل ميليشيوي جديد، مشحون بالتعبئة المذهبية وقابل للاشعال والاشتعال عند اي هبّة او انفعال. وهو جيل أخطر من حاضناته بدليل "نجاحه" السريع في اقامة سباق تسلح بل ميزان قوى يبرز فيه شارع منفلت فوضوي في مواجهة شارع آخر على قاعدة المبارزة المذهبية الفاقعة.
معنى ذلك ان لا نوم على حرير تعهدات مكتوبة ولفظية بالكاد يقوى حبرها على الصمود ساعات قبل ان يفضح الشارع كل هذا العجز السلطوي والسياسي والحزبي او يكشف في مكان آخر ازدواجية الضالعين في تعميم الفوضى. ومعنى ذلك أيضاً ان على الاعلام بكل قطاعاته المرئية والمكتوبة والمسموعة ان يتحسب للتعامل مع واقع لبناني هو اشبه بواقع قتالي حربي ما دام التنافس المهني على "نجوم" الزمن الطالع يرتب كلفة قد تكون قاتلة على المتنافسين، وما دامت اسهل السبل لا تزال متوافرة لترهيب الاعلام.
مع كل ذلك، ثمة حقيقة لا تزال تصارع البقاء، وهي من خارج الشارع. فلبنان نجا حتى الآن من المحاولات الدؤوبة والضاغطة لتصدير الازمة السورية اليه. ومعيار الهامش المتاح لمد حبل النجاة الى النهاية بسيط ومعقد في آن. فما كتب ويكتب في بيانات الحوار، وآخرها قبل يومين، أهين مهانة موصوفة في الشارع. واحترام التواقيع لهيئة يفترض انها تمثل لبنان ومعظم فئاته، يبدأ بكسر قاعدة 1975 وبمسح لعنة "البوسطة"، وبانهاء الذكرى المشؤومة لـ7 أيار، وبتصفية "ضاحية شمالية" في مواجهة "ضاحية جنوبية". قالوا إن ثمة سحب غطاء عن المسلحين، فأين الغطاء الحقيقي لحزم أمني وعسكري شرعي حلال؟ وأي صدقية أو احترام للتواقيع ما دام الدولاب المحروق يحرق بقايا الهيبات؟ 
 

السابق
النهار: هل تحظر واشنطن الاقتراع لـحزب الله؟
التالي
فتاوى مرفقةً بالتهديدات