كيف يعطل حزب الله الدولة تبريراً لسلاحه ؟

من حسنات الحوار القليلة أنّه أعاد تذكير اللبنانيّين بالحجج التي يتسلّح بها "حزب الله" دفاعاً عن سلاحه. هذه الحجج التي تظهر مدى ضعف منطقه وعدم تماسكه وعجزه عن إقناع فئة المتردّدين وليس بالتأكيد الرافضين والمشكّكين أصلاً. وهذا بحدّ ذاته إنجاز حتّى لو أنّه لا يقدّم جديدا، إذ من المفيد بين الحين والآخر تعرية منطق "حزب الله" ومن مسؤولي الحزب أنفسهم عملاً بمبدأ "من فمه أدينه".

فليس تفصيلاً أن يستهجن رئيس الكتلة النيابية للحزب وممثله في الحوار النائب محمد رعد المطالبة بتسليم قرار الدفاع إلى حكومة "لا تستطيع على مدى ثمانية أشهر أن تحرّك مشاريع إنمائية"، متجاهلاً أنّ هذه الحكومة حكومته بامتياز، ويرفض حتى البحث في استبدالها بحكومة نكنوقراط أو وحدة وطنية. فإذا كانت مليئة بالتناقضات وعاجزة عن تسيير شؤون البلاد والعباد، كما هو حاصل، فلماذا هذا التمسّك الأعمى باستمرارها والاستماتة في الدفاع عنها؟

فالنائب رعد يتحدّث وكأنّ الحكومة هي حكومة 14 آذارية أو وحدة وطنية وفريق 14 يتولّى تعطيل عملها، ولكن في مطلق الأحوال المسألة تتعدّى ذلك إلى محاولة تظهير واقع سياسي على الشكل الآتي: المقاومة غير مستعدّة لتسليم سلاحها إلى دولة ضعيفة، لأنّ هذا الأمر يقود إلى العودة لمعادلة "قوّة لبنان في ضعفه"، في حين نجحت المقاومة في قلب هذه المعادلة وتحويلها إلى "قوة لبنان في منعته ومقاومته" أو "جيش وشعب ومقاومة"، وبالتالي قبل استعادة الدولة حضورها ومقوّماتها وقوّتها لا مصلحة وطنية وقوميّة ومبدئية بتسليح سلاح هذه المقاومة.

ولعلّ خطورة هذا المنطق تكمن في الآتي: بما أنّ السلاح هو علّة وجود "حزب الله" الذي ليس بوارد تسليمه والتنازل عنه، فضلاً عن أنّ هذا القرار يعود بالدرجة الأولى إلى طهران، فإنّ إبقاء الدولة مفكّكة وضعيفة ومشتّتة ومشرذمة بات، بمنطق الحزب، وظيفة ومهمّة هدفها الأساسي تعطيل قيام الدولة تبريراً لاستمرار السلاح.

وهذا ما يفسّر كلّ أداء "حزب الله" وسلوكه منذ حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة مروراً بحكومة الرئيس سعد الحريري وصولاً إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة، هذه الحكومة التي كشفت المستور، لأنّه إذا كان تمويه التعطيل متاحاً في الحكومات التي سبقتها نتيجة تركيبتها وتوازناتها، فإنّ التعطيل المتمادي في الحكومة الحالية لا يمكن تفسيره إلّا كونه تدعيماً لنظرية الحزب بأنّ الدولة اللبنانية عاجزة وغير قابلة للحياة بمعزل عن طبيعة حكوماتها أكانت وحدة وطنية أو من لون واحد على غرار الحكومة الميقاتية.

فالتعطيل بهذا المعنى متعمّد وعن سابق تصوّر وتصميم وللأهداف المنوّه عنها أعلاه. وطالما إنّ "حزب الله" من نفس طينة النظام البعثي الأسدي فليس مستغرباً عليه أن يقتبس المنطق السوري نفسه.

فكلّ نظرية هذا البعث كانت تدور حول فكرة "فرق تسُد" وأنّ الانسحاب السوري من لبنان يقود حتماً إلى تجدّد الحرب الأهلية بين اللبنانيين العاجزين عن إنجاح تجربة عيشهم المشترك وبناء الدولة، وبالتالي كلّ هم هذا النظام كان يتركّز على خلق التناقضات بين المذاهب والطوائف تبريراً لاستمرار جيشه في لبنان، وأكثر ما كان يستفزّه ويقضّ مضجعه التقاء اللبنانيّين مسيحيّين ومسلمين حول عناوين وطنية كان يسارع إلى إجهاضها في مهدها خشية على وجوده في لبنان، وانتفاضة الاستقلال خير دليل على أنّ توحّد القسم الأكبر من اللبنانيّين أدّى إلى إخراج هذا الجيش.

وعليه، واصل الحزب اعتماد السياسة نفسها مع فارق أنّ النظام السوري كان من مصلحته إظهار أنّ الأمن ممسوك بوجود جيشه، فيما من أولوية الحزب إظهار أنّ الحكومات غير القادرة على إنجاز الموازنات وإدارة ملفّات الناس الحياتية والحيوية ليست بمستوى الدفاع عن لبنان وأمنه وسيادته. ولكنّ المستغرب يبقى في رفض الحزب الاتّعاظ من تجارب غيره وما آلت إليه هذه التجارب التي ستنسحب حكماً على تجربته مهما طال الزمن أو قصر.

فاللغة التي يستخدمها قديمة وتنتمي إلى زمن انتهى، على ما يحلو لأحد أبرز قيادات انتفاضة الاستقلال توصيفها، وإن دلّت على شيء فعلى أنّه يعيش حالة من الإفلاس السياسي، وكلّ همّه بات ينحصر في كيفية تبرير استمرار سلاحه، حتى ولو على حساب مصالح الناس وأمنهم، وما الفلتان الأمني القائم، والعجز الحكومي على كافّة المستويات، إلّا محاولة مكشوفة من قبل "حزب الله" لتبيان عجز الدولة وتحوير الأنظار عن سلاحه واستباق التطوّرات السورية المحتومة بتحسين شروط مفاوضاته في لبنان على قاعدة أنّ الأزمة اللبنانية لا تنحصر بسلاحه، إنّما مفتوحة على السلاح المنتشر و"الخلافات الجوهرية" بين القوى السياسية في النظرة حيال لبنان ودوره…  

السابق
لا تدفعوا الفواتير
التالي
كفى إرهاباً: موقع لتجنيد العملاء