كفى إرهاباً: موقع لتجنيد العملاء

الحرب الأمنية على الساحة اللبنانية، بين المخابرات الإيرانية ومعها مخابرات «حزب الله» من جهة، والمخابرات الخارجية والإسرائيلية من جهة أخرى، ما زالت مستمرّة، والأهمّ في ذلك أنّها دخلت نطاق «الشبكة العنكبوتية»، فصارت تدور رحاها في أرجاء الإنترنت، وكان آخر فصولها ما تردّد عن اعتقال الحزب أخيراً عشرات الأشخاص من عشائر بعلبك – الهرمل، منهم من تورّط أمنيّاً مع أجهزة أجنبية مشبوهة من خلال الإنترنت.
كان الأمر مجرّد تسلية وحشرية لدى محمود ض. أثناء تصفّحه موقعاً إلكترونياً يعلن عن وظائف للناشطين في إطار "ترسيخ السلم العالمي وحقوق الإنسان"، إلّا أنّ محمود استساغ الموضوع واندمج في الحوار مع "ميشلين"، التي أقنعته بأنّها تعمل في جمعية سويسرية، تهتمّ بالجرحى والمعاقين، وبمواضيع تتعلق بحقوق الإنسان والحرّيات وغيرها من شعارات جذّابة.
وكون محمود له تجربة في ميدان النشاط الاجتماعي والإنساني، راقَ له الأمر، وانطلق يخبرها عن أنشطته وحياته، وتوطّدت علاقته معها والتقيا في إحدى الدول، ليجد نفسه فيما بعد ومن دون أن يدري مجرّد ناشط في جهاز المخابرات الإسرائيلية.
وقصة محمود لا تختلف عن قصة المصري نسيم ك.، إلّا في الجهة الأمنية، وهي جهة غربية، تورّط بالعمل معها من خلال غرف الدردشة على الإنترنت، وكانت تركّز على معرفة تفاصيل ما يجري في مصر، وخصوصاً ما يتعلق بالحركات السلفية والأصولية.

أساليب متطوّرة
إنّها الأساليب المتطوّرة التي بدأت تلجأ إليها الأجهزة المخابراتية على اختلاف أنواعها لتجنيد العملاء في صفوفها من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من المواطنين العرب، بحيث يتم استغلال أوضاعهم المادية المتردّية وعواطفهم ونقمتهم على واقعهم السياسي والاجتماعي، حتى يصبحوا جنوداً ناشطين في أجهزة المخابرات، ليلقوا بعدها المصير الأسود: حبل المشنقة أو السجن!
وقد بات الإنترنت أيضاً طريقة للتواصل بين عدد من التنظيمات الأصولية، فتنظيم "القاعدة" له مواقع إلكترونية إخبارية عدّة، يستخدمها في الوقت نفسه في عملية التواصل مع الخلايا الموزّعة في عدد من دول العالم.
وفي هذا الإطار، أكّد مسؤول أمني لـ"لجمهورية" أنّ معظم الشبكات الأمنية الإسرائيلية التي تهاوت في قبضة فرع المعلومات ومخابرات الجيش عام 2009، كانت تستخدم مواقع إخبارية معروفة على الإنترنت، لترسل من خلالها الصور والمعلومات بطرق احترافية، ومن هذه المواقع موقع "كواليس"، الذي بدا في الظاهر مجرّد موقع لعرض أخبار الصحف، فيما هو في الحقيقة برنامج اتصال وتواصل ما بين العملاء ومشغّليهم، أعِدَّ بطريقة احترافية.

كفى إرهاباً…

ومن ضمن الحرب المخابراتية الدائرة بين "حزب الله" والأجهزة الإسرائيلية والأميركية والعالمية، أُعلِن أخيراً عن إطلاق موقع إلكتروني يحمل اسم "كفى إرهاباً"، بدا أنّه موجّه فعلاً لرصد نشاطات "حزب الله".
وحدّد المسؤولون عن الموقع أهدافهم بصراحة، مؤكّدين أنّهم "طاقم من الأجهزة الاستخبارية الغربية، تشكّل لمواجهة تهديد الإرهاب. فبعدما تحوّل الإرهاب آفة تنخر في جسد المجتمع في كلّ مكان، فقد أخذنا على عاتقنا مهمّة مواجهة هذه الآفة والحدّ من انتشارها لكي نضمن لجميع بني البشر حياة آمنة ومستقرّة، بعيداً من اليد الهوجاء للإرهاب والإرهابيّين. إنّنا ندعوكم إلى مؤازرة عملنا الذي يهدف إلى وضع حدّ للعمليات الإرهابية التي يديرها ويخطط لها "حزب الله" سواء في لبنان أو خارجه، ورَفدِنا بأيّ معلومة يمكنها أن تساهم في هذا الجهد".

وحدة العمليات الخارجية لـ «حزب الله»

واللافت أنّ الموقع نشر معلومات عن جهاز وحدة العمليات الخارجية لـ"حزب الله"، والمسؤولين عنها. وقال المسؤولون عن الموقع: "تتوافر لدينا معلومات كثيرة عن وحدة العمليات الخارجية وأساليبها وعناصرها ومنشآتها، سينشر جزء منها من حين إلى آخر بهدف الكشف عن تفاصيل جديدة عن نشاط الوحدة".
وتحت عنوان "المقابل المادي"، وبغية إغراء الشباب للعمل في هذا النطاق، ذكر القائمون على الموقع "أنّنا نؤمن بوجوب أن نعمل جميعاً لمكافحة آفة الإرهاب بكلّ ما نستطيع، فقد أخذنا على عاتقنا أن نعوّض كلّ من يزوّدنا بمعلومات من شأنها المساهمة في مكافحة الإرهاب.
وسيتمّ تحويل التعويض المالي إلى الأشخاص أو الجهات التي زوّدتنا بالمعلومات، بعد التدقيق فيها والتأكّد منها. عندها سنتصل مع الأشخاص أو الجهات التي زوّدتنا بها للبحث في تحويل المبالغ المستحقّة لها، بالطريقة التي تضمن أمنهم وسلامتهم بالدرجة الأولى، حيث نتعهّد بدفع مئات وحتى آلاف الدولارات مقابل الإدلاء بمعلومات قيِّمة".

صور لمشبوهين

ولوحظ أنّ الموقع نشر صوراً لأشخاص يفترض أنّهم من الإرهابيين، ومن مسؤولي "حزب الله"، طالباً "معلومات عن هويتهم الحقيقية وعائلتهم، ومكان إقامتهم وأصدقائهم، وأرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني التي يستخدمونها، والدول التي سافروا إليها وغير ذلك"…
والموقع الإلكتروني "كفى إرهاباً" قُسّم إلى أبواب حملت عناوين تتعلّق بـ"حزب الله"، منها: التشكيل السرّي الأمني للحزب، الوحدة 910 وطريقة عملها، العمليات الإرهابية، الوحدة 1800… أمّا عن طريقة الاتصال بأصحاب الموقع، فقد أدرجت تحت عنوان "أمنك الشخصي يهمّنا"، بغية إشاعة الطمأنينة في نفوس الراغبين بالتعامل.

وتوسّع القيّمون على الموقع في شرح آلية الاتصال: "إتّصل من مزود خدمات إنترنت عام مثل مقهى إنترنت، وتأكّد من تحديد استخدام SSL وذلك بوجود إشارة قفل صغير بالقرب من عنوان اسم الموقع. قد يظهر القفل في بعض برامج التصفّح في الويب في أسفل الصفحة، وانتبه إلى أنّ عنوان الموقع يبدأ بـ https:// في الـ firefox الجديد.
يجب الضغط في البداية على اسم الموقع الذي يظهر بالقرب من سطر العنوان وعند ذلك فقط يظهر القفل. تصفّح من طريق خدمة TOR، وهو برنامج مجّاني لا يحتاج إلى تركيب ويسمح بالتصفّح المشفّر والآمن. ويمكن تنزيل TOR في https://www.torproject.org

«حزب الله»: رصد ومتابعة

بدوره، استنفر "حزب الله" أجهزته الأمنية والوحدة الإلكترونية المختصّة برصد مثل هذه المواقع المشبوهة، لرصد نشاط موقع "كفى إرهاباً"، والجهات التي تقف خلفه، والعمل على تدميره عبر طرق ووسائل الـ"هاكر".
وأوضحت أوساط مقرّبة من الحزب لـ"الجمهورية"، أنّ "الخوف ليس من حصول العدوّ على المعلومات المتعلقة بنشاطات المقاومة، لأنّ هذا أضغاث أحلام، وهو حاول كثيراً في هذا المجال وفشل وتهاوت شبكاته الأمنية الواحدة تلوَ الأخرى، إنّما ما نخشاه هو أن تسقط بعض النفوس الضعيفة من أبناء الوطن أمام المغريات المالية، فتتورّط في العمالة وتقع في حبال الموسّاد والأميركيّين، لتكون النهاية مأساوية على هؤلاء، لذا نحذّر المواطنين وخصوصاً الشباب منهم من الوقوع في هذه الخدعة التي تحمل شعار "مكافحة الإرهاب" لتوحي بعملها الإنساني، خصوصاً أنّ "حزب الله" بعيد كلّ البعد من الإرهاب، فهو حزب مقاوم ضدّ العدوّ، للدفاع عن الأرض، وهذا حقّ مقدّس نصّت عليه القوانين الدولية والإنسانية".

صور الفتيات
ويشرح مسؤول أمني مختص بمتابعة ما ينشر على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لـنا، أنّ الموسّاد يستغلّ شبكة الإنترنت، من طريق استدراج الشباب العربي. والمخابرات الإسرائيلية أنشأت العديد من صفحات التعارف على شبكة الإنترنت، تنشر صوراً لفتيات يعرضن التعارف علي الشباب.
وعندما يتصفّح الشاب العربي هذه الصفحات، تظهر صورة فتاة حسناء تعرض عليه اللقاء في أيّ مكان في العالم، وتتولّى هي دفع تكاليف الرحلة، شرط أن تكون فحولة هذا الرجل مكتملة، فيدبّ الحماس في عدد من الشباب ليجدوا أنفسهم في شباك الموسّاد.

وأضاف: "يحرص عملاء الموساد على الحصول على أكبر عدد من عناوين البريد الإلكتروني للشباب العربي ويسجّلونها لديهم على برامج "الميسينجر" بغية الدردشة بهدف استدراجهم. وينتحل رجال الموسّاد في أغلب الأحيان شخصية فتاة للإيقاع بالفريسة. وأهمّية شبكة الإنترنت أنّها تساهم في وضع رجال الموساد في احتكاك مع الشباب من مختلف دول العالم العربي، التي تعتبر أهدافاً استخبارية من الطراز الأوّل للموسّاد.

غرف الدردشة

من جهة أخرى، حذّر أحد الأخصائيّين في مجال الإنترنت من خطورة المحادثات التي تجري في غرف الدردشة "CHAT"، التي يدخلها المواطنون ويتحاورون في مواضيع سياسية، دينية، ثقافية، اجتماعية، جنسية، غرامية… إذ تشكّل المحادثات إحدى أهم الركائز الإعلامية للمخابرات، ليس لأجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية فحسب، بل لعدد كبير من الأجهزة العالمية.

وقد برعت إسرائيل في هذا المجال، وهي تملك أكثر من مئة شركة متخصصة في نطاق تكنولوجيا المعلومات. وقد كشفت وثائق عن شبكات مخابراتية يديرها متخصّصون نفسيّون إسرائيليون (بتعاون أميركي) لاستقطاب شباب العالم الثالث، وبالتحديد الشباب المقيم في سوريا ولبنان والأردن والعراق.  

السابق
كيف يعطل حزب الله الدولة تبريراً لسلاحه ؟
التالي
الشهر الأمني ينطلق اليوم.. فهل يأتي بنتيجة ؟