شهر أمني في فراغ سياسي

ليس الاعتداء على تلفزيون الجديد بالرصاص والحرائق حادثاً معزولاً عن المناخ السياسي المشحون بالعصبيات. ولا ما سبقه من خطف، وما تبعه من ترويع وقطع طرق في بيروت، ثم من سرقة مصرف بقوة السلاح مجرد عرض للقدرة على تحدي القانون وكشف هشاشة السلم الأهلي وتردي الوضع الأمني. فالكل يستنكر واللعبة مستمرة. لعبة دفع البلد الى الاهتراء ومكوناته الى التصادم وسط تحولات تعيد رسم الخارطة الجغرافية – السياسية للمنطقة. ولعبة أخرى داخلها تهاجم الاعلام على خطين.
الأول هو خط السعي لإرهاب الإعلاميين وإسكاتهم بالاعتداءات. والثاني هو خط تزوير الواقع المريض الذي نحن فيه بتحميل الاعلام المسؤولية عن المرض وعن صغائر السياسيين المحلية وكبائر بعضهم في الالتحاق عملياً بالمحاور الخارجية المتصارعة والموافقة نظرياً على تحييد لبنان عن المحاور. المسؤولية عما يفعله ويقوله أهل السياسة من رجال دنيا ودين يصبون الزيت على النار في الشحن الطائفي والمذهبي ودمج التخوف من الفتنة بالتخويف بها. والمسؤولية عما يقصرون عن فعله في مجال الارتقاء الى مستوى الوحدة الوطنية، وحتى الى مستوى الاهتمام بقضايا الناس.

ألسنا أيضاً في حوار على خطين؟ حوار من حول طاولة على ما لا نستطيعه، لا على ما نستطيعه، نهلل للحد الأدنى فيه. وهو صورة بالألوان للأركان وأسود على أبيض فوق الورق أجمل من أن يكون حقيقة. وحوار بالنار والسجالات الهابطة خارج الطاولة. صحيح أن التسليم بالحوار كواجب وضرورة، لا مجرد خيار، هو أمر مهم. لكن الصحيح أيضاً أن الفارق كبير بين الحوار للتفاهم على سياسة وبين الحوار كبديل من السياسة.
والحاجة كبيرة الى الشهر الأمني الذي يبدأ اليوم، وهو شهر الاستراحة بين جلستين للحوار. لكن الحاجة أكبر الى نجاح الشهر الأمني الذي يتوقف، لا فقط على ما تقوم به القوى الأمنية بل أيضاً وقبل ذلك على ما تفعله القوى السياسية. وليس من العلامات المشجعة أن يرافق الفراغ السياسي الشهر الأمني.
ولا أحد يتوقع أن يكون على جدول الأعمال في الشهر الأمني ما صدر عن هيئة الحوار، وهو التمني على الحكومة وضع الآليات المناسبة لتنفيذ القرارات السابقة التي تم التوافق عليها، ومتابعة تنفيذ قرارات الطائف والطاولة والهيئة الوطنية في الموضوع الفلسطيني من جوانبه كافة، أي السلاح خارج المخيمات والمسائل الحياتية والاجتماعية والانسانية. ولا بالطبع التنفيذ العملي للتأكيد على عدم جواز اقتناء أو استعمال السلاح في الداخل اللبناني ورفع أي غطاء سياسي عنه.
والأخطر هو أن نعالج الاهتراء بانتظار ما يدور حولنا من أحداث.  

السابق
الصمت على الزور والشهادة به
التالي
فضيحة إيرانية جديدة