العقل السياسي الشيعي في متاهته

نهر من الاعداء المتدفق كما لم يسبق ان حصده الشيعة اللبنانيون في تاريخهم
علي الأمين

يمكن القول إنّ التخبط والإرتباك هو السمة الابرز في المشهد السياسي الشيعي اليوم. لا يقتصر الحال هذا على لبنان فحسب بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد: إلى المشهد الشيعي في العراق. وليست سورية بخارجة عنه بعدما تماهت القيادة الايرانية مع النظام السوري وتشبثت بالرئيس بشار الاسد رغم كل الجرائم التي ارتكبت بحق فئة واسعة من السوريين. لا بل ثمة تماه بين العصبيتين العلوية والشيعية، بحيث بات المشدودون اليهما، والنابذون لهما، لا يرون اي تمايز بينها. باختصار ثمة اقحام غير مبرر للشيعة في معركة حماية الاستبداد البعثي في وجه ارادة التغيير لدى السوريين عموما.
إرتباك وتخبط يمكن تلمسهما في الميدان اللبناني اليوم. فقد ألف مناصرو السيد حسن نصر الله وجمهوره أن يخرج عليهم بين الحين والآخر ليتلو عليهم امر اليوم. يحدّد لهم الحليف والصديق ويشير إلى عدوهم ويصوب على لائحة الخصوم. إلى ما هنالك من مقولات تخفّف عنهم أثقال التفكير وتطوي من ذاكرتهم مفهوم الأسئلة والاجتهاد كي لا تستدرج في الوعي أيّ نوع من المحاسبة. وظلت العصبية وانشدادها هي الغاية المنشودة، تلك التي طالما اشتدت حين يعاد، مرّة بعد مرّة، تذكيرهم بأنّ في لبنان من يريد إعادة الشيعة الى القمقم. أو كما اخبرهم السيد نصرالله اكثر من مرّة: ثمة من يريد ان يعيدكم ماسحي أحذية أو عمالا في المرفأ.
اليوم لا يخرج عليهم من يقدم لهم إجابات شافية عن الخصم والعدو، عن الصديق والحليف، عن السنّة، عن الثورات، عن الاسلاميين الآتين على أكتاف الربيع العربي، عن الحكومة، عن الماء والكهرباء، عن السلاح، عن المحكمة الدولية عن عن عن…
إرتباك وتخبط ايضا يطلق العنان للتجييش المذهبي من خطر سلفي داهم من جهة الشرق، أو خطر سنّي يريد للشيعة الهلاك وان "صاحب العصر والزمان" يستعد للخروج. فالعقل السياسي الشيعي المهيمن في لبنان لم يسع (ولا اقول لم ينجح) الى نقل جمهوره واللبنانيين الى مصاف المواطنة. خصوصا حين صارفي موقع الغالب وليس المغلوب، او بالاحرى المتقدم لجهة تحقيق الانتصارت، او القابض على وعودها، حين كانت تبدو مخبأة في جيبه.
هذا الجمهور يتحسّس مآزقه أينما كان. بعضه كان يتمنى ازاء ما يجري في مصر لو ان حسني مبارك لم يزل على رأس السلطة، وآخرون كادوا يقيمون مجالس العزاء على مقتلة معمر القذافي، وآخرون مغرقون في مذهبيتهم صاروا يترحمون على علمانية تونس زين العابدين بن علي.
أما "الاخوان المسلمون" فحينا هم اداة المشروع الاميركي، ثم يفاجئهم موقف ايراني رسمي يشيد بالصحوة الاسلامية في مصر وبانتصارهم. اما في سورية فالاخوان المسلمون هم الخصم، وفي مصاف القتلة. اما حركة حماس فحدِّث مع بعض الحرج. لم يخرج السيد نصرالله عليهم لينزّه الحركة عن التورط في مشروع تفتيت المنطقة الى طوائف ومذاهب. كما لم يتهمها، وهذا وحده كفيل بتظهير الإرتباك والتخبط… لكن بالتأكيد لم يصل الحال مع "حماس" بعد، الى الترحم على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
تخبط وارتباك وارتياب أيضا، من المخيمات الفلسطينية ومن السوري كمواطن أيضا. ربما لم ينتبه هذا العقل السياسي الشيعي الى ان جريمة اختطاف المدنيين اللبنانيين في سورية واستمرارها أعادت اكثر من مئتي ألف سوري كانوا يقطنون في مناطق شيعية لبنانية الى بلدهم. لم يكن الطرد منظما لكنه لم يكن عفويا في المطلق. تورطت بعض الاحزاب في عملية الطرد، لتضيف عناصر جديدة إلى المشهد السوري. عناصر تضخ في العصبية المقابلة وفي نهر الخصوم والاعداء المتدفق كما لم يسبق ان حصده الشيعة اللبنانيون في تاريخهم. وقمة الإرتباك تبدو واضحة في ردود بعض النافرين: إنهم يكرهوننا لأننا نريد ان نقاتل اسرائيل.
تهافت الإرتباك والتخبط يبرز ايضا، في امتهان الدين والشريعة من اجل مكاسب سياسية ضيقة. الغريب ان تصدر فتوى من مرجعين شيعيين في ايران، قريبين من السلطة الرسمية فيها، الاولى تداولتها بعض المواقع الاخبارية ولم يجر نفيها يجيز فيها هذا المرجع لسائليه قتل اللاجئين السوريين إلى لبنان تحت حجة قيامهم بجرائم حتى لو أدى ذلك إلى إصابة الأبرياء لأنّ ذلك يدخل في عداد القتل الخطأ. وثانية تصدر من مرجع آخر يحرم على مقلديه، الذين ينتمي معظمهم الى حزب الدعوة الحاكم والتيار الصدري، انتخاب العلمانيين. وهي الفتوى الدينية التي كان هدفها السياسي المباشر تثبيت سلطة الرئيس نور المالكي بمنع التقارب بين التيار الصدري وتيار أياد علاوي. فتوى طمأنت المالكي على موقعه الرئاسي، وأحرجته لجهة تبرير تحالفه مع الرئيس جلال طالباني العلماني، فضلا عن شرعية انتخابه كرئيس للبلاد.
"فصل الخطاب" أنّ العقل السياسي الشيعي المهيمن اليوم في لبنان يتخبط بين خيبة وعداء ضدّ فضاء اسلامي، ورذل ضدّ فضاء عربي، وعجز متمادٍ عن تظهير هوية وطنية تحمي الشيعة … انه الإرتياب حتى من الذات.

السابق
فاتورة كهرباء تتعدى المليون دولار
التالي
الأنوار: الحكومة تنشغل بمشكلة حرق الدواليب واستمرار الحوادث الأمنية